وقال الترمذي: حسن صحيح. وله شاهد في الصحيح. الباحث القرآني. وقال الأحنف بن قيس: صاحب اليمين يكتب الخير ، وهو أمير على صاحب الشمال ، فإن أصاب العبد خطيئة قال له: أمسك ، فإن استغفر الله تعالى نهاه أن يكتبها ، وإن أبى كتبها. رواه ابن أبي حاتم. وقال الحسن البصري وتلا هذه الآية: ( عن اليمين وعن الشمال قعيد): يابن آدم ، بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك ، وجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول: ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) [ الإسراء: 13 ، 14] ثم يقول: عدل - والله - فيك من جعلك حسيب نفسك. وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس: ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر ، حتى إنه ليكتب قوله: " أكلت ، شربت ، ذهبت ، جئت ، رأيت " ، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله ، فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر ، وألقى سائره ، وذلك قوله: ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) [ الرعد: 39] ، وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه ، فبلغه عن طاوس أنه قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين.
السلام عليكم ورحمةالله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: يقول الله عز وجل: إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ق:17-18]. أيها المسلمون: في هذه الآية تذكير للمؤمنين برقابة الله عز وجل التي لا تتركه لحظة من اللحظات، ولا تغفل عنه في حال من الأحوال، حتى فيما يصدر عنه من أقوال، وما يخرج من فمه من كلمات؛ كل قول محسوب له أو عليه، وكل كلمة مرصودة في سجل أعماله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ق:17-18]. يسجله الملكان في الدنيا ويوم القيامة ينكشف الحساب ويكون الجزاء. ومَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ. روى الإمام أحمد والترمذي عن بلال بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه))(2). ولذلك كان علقمة رحمه الله وهو أحد رواة هذا الحديث يقول: (كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث) فكان يمتنع عن كثير من الكلام حتى لا يسجل عليه قول أو ترصد عليه كلمة من اللغو الذي لا فائدة فيه: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون [المؤمنون:1-3].
وتعرفنا معًا أيضًا على المواضيع التي تتضمنها السورة وأهم الأسرار بها، وتعرفنا على سبب تسمية سورة ق بذلك الاسم، وفي النهاية نتمنى أن نكون قد أفدناكم.
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته. اختيار هذا الخط
وذكر ابن كثير أن ظاهر الآية العموم. والله أعلم.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) ﴾ يقول تعالى ذكره: ونحن أقرب إلى الإنسان من وريد حلقه، حين يتلقى الملَكان، وهما المتلقيان ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ وقيل: عنى بالقعيد: الرصد. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ﴿قَعِيدٌ﴾ قال: رَصَد. واختلف أهل العربية في وجه توحيد قعيد، وقد ذُكر من قبل متلقيان، فقال بعض نحويي البصرة: قيل: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ ولم يقل: عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، أي أحدهما، ثم استغنى، كما قال: ﴿نُخْرِجُكُمْ طِفْلا﴾ ثم استغنى بالواحد عن الجمع، كما قال: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا﴾. وما يلفظ من قول الا. وقال بعض نحويي الكوفة ﴿قَعِيدٌ﴾ يريد: قعودا عن اليمين وعن الشمال، فجعل فعيل جمعا، كما يجعل الرسول للقوم وللاثنين، قال الله عزّ وجل: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ لموسى وأخيه، وقال الشاعر: أَلِكْنِي إلَيْها وَخَيْرُ الرَّسو... ل أعْلَمُهُمْ بِنَوَاحي الخَبَرْ [[البيت لأبي ذؤيب (اللسان: رسل) وروايته فيه كرواية المؤلف هنا، وقد نقلها المؤلف عن معاني القرآن للفراء (الورقة ٣٠٩) وفي (اللسان: ألك): بخبر الرسول.
حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله، فأقَّر منه ما كان فيه من خير أو شر وألقي سائره، وذلك قوله تعالى: {يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}. وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه، فبلغه عن طاووس أنه قال: يكتب الملك كل شيء حتى الأنين، فلم يئن أحمد حتى مات رحمه اللّه. وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. وقوله تبارك وتعالى: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} يقول عزَّ وجلَّ: وجاءت أيها الإنسان سكرة الموت بالحق أي كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه، {ذلك ما كنت منه تحيد} أي هذا هو الذي كنت تفر منه قد جاءك، فلا محيد ولامناص ولا فكاك ولا خلاص، والصحيح أن المخاطب بذلك الإنسان من حيث هو، وقيل: الكافر، وقيل غير ذلك، روي أنه لما أن ثقل أبو بكر رضي اللّه عنه جاءت عائشة رضي اللّه عنها فتمثلت بهذا البيت: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ** إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فكشف عن وجهه وقال رضي اللّه عنه: ليس كذلك، ولكن قولي: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول: (سبحان اللّه إن للموت سكرات) وفي قوله: {ذلك ما كنت منه تحيد} قولان: أحدهما: أن ما ههنا موصولة أي الذي كنت منه تحيد بمعنى تبتعد وتفر، قد حلَّ بك ونزل بساحتك.