والسنة أيضاً شارحة للقرآن ومبينة له، فتخصص عامه وتقيد مطلقه وتبين مجمله وتفسر معناه، كما قال سبحانه: بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44]. ومن ذلك الآية المذكورة في السؤال، وهي قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ.... شرح حديث: أحلت لنا ميتتان ودمان. [المائدة:3]، فإن الميتة محرمة عموماً، إلا أن السنة أخرجت من هذا العموم السمك والجراد والكبد والطحال، وذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال. رواه أحمد وغيره. وكل من الآية والحديث من عند الله لا كما يصوره الخبثاء الذين ذكرهم السائل، وقد أمرنا الله تعالى بالأخذ بما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. فالمسلم يعلم ابتداء أن الأحكام الشرعية إما أن ينص عليها في كتاب الله نصاً مفصلاً، أو تذكر على سبيل الإجمال، ويطلب تفصيلها في السنة، أو أن تستقل السنة ببيان حكمها، فلا إشكال في ذلك. والله أعلم.
أما حكم الطحال والكبد: يدل حديث ابن عمر الذي له حكم الرفع على طهارتهما؛ لأنه أبيح أكلهما، ولو كانا نجسين لما أحل أكلهما، وقد نقل النووي في شرح المهذب الإجماع على طهارتهما. انتهى مختصراً من شرح البلوغ لبعض شيوخنا.
وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: قال أبو عبيدة: كلوا فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: " كلوا رزقا أخرجه الله إليكم ، أطعمونا إن كان معكم " فأتاه بعضهم بشيء منه فأكلوه. قوله تعالى: ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون) صيد البحر حلال للمحرم ، كما هو حلال لغير المحرم ، أما صيد البر فحرام على المحرم وفي الحرم ، والصيد هو الحيوان الوحشي الذي يحل أكله ، أما ما لا يحل أكله فلا يحرم بسبب الإحرام ، وللمحرم أخذه وقتله ، ولا جزاء على من قتله إلا المتولد بين ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل ، كالمتولد بين الذئب والظبي لا يحل أكله ويجب بقتله الجزاء على المحرم ، لأن فيه جزاء من الصيد. بين وجه علاقة الاية الواردة بقوله احل لكم ميتتان ودمان فاما الميتتان فالسمك والجراد واما الدمان فالكبد والطحال - البسيط دوت كوم. أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ". وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يقتل المحرم السبع العادي " وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خمس قتلهن حلال في الحرم: الحية والعقرب والحدأة والفأرة والكلب العقور ".
11 - ( 2) - حديث: { أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد ، والكبد ، والطحال} الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { أحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان: [ ص: 35] فالجراد والحوت ، وأما الدمان: فالطحال والكبد}ورواه الدارقطني من رواية سليمان بن بلال ، عن زيد بن أسلم موقوفا. قال: وهو أصح. وكذا صحح الموقوف: أبو زرعة وأبو حاتم. وعبد الرحمن بن زيد ضعيف ، متروك. وقال أحمد: حديثه هذا منكر. وقال البيهقي: رفع هذا الحديث أولاد زيد بن أسلم: عبد الله ، وعبد الرحمن ، وأسامة ، وقد ضعفهم ابن معين ، وكان أحمد بن حنبل يوثق عبد الله. قلت: رواه الدارقطني وابن عدي من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم ، قال ابن عدي: الحديث يدور على هؤلاء الثلاثة ، قلت: تابعهم شخص أضعف منهم ، وهو أبو هاشم كثير بن عبد الله الأبلي ، أخرجه ابن مردويه في تفسير سورة الأنعام من طريقه: عن زيد بن أسلم به ، بلفظ: " { يحل من الميتة اثنان ، ومن الدم اثنان ، فأما الميتة: فالسمك والجراد ، وأما الدم: فالكبد والطحال}ورواه المسور بن الصلت أيضا ، عن زيد بن أسلم ، لكنه خالف في إسناده ، قال: عن عطاء ، عن أبي سعيد مرفوعا.