[[انظر ما سلف ٢: ٢٩٠ - ٢٩٢ / ٨: ٣٣٤. ]] * * * وأما"أن" في قوله: ﴿أن لا تشركوا به شيئًا﴾ ، فرفعٌ، لأن معنى الكلام: قل تعالوا أتلُ ما حرّم ربكم عليكم، هو أن لا تشركوا به شيئًا. وإذا كان ذلك معناه، كان في قوله: ﴿تشركوا﴾ ، وجهان: = الجزم بالنهي، وتوجيهه"لا" إلى معنى النهي. = والنصب، على توجيه الكلام إلى الخبر، ونصب"تشركوا"، بـ"أن لا"، كما يقال:"أمرتك أن لا تقوم". وإن شئت جعلت"أن" في موضع نصبٍ، ردًّا على"ما" وبيانًا عنها، ويكون في قوله: ﴿تشركوا﴾ ، أيضًا من وجهي الإعراب، نحو ما كان فيه منه. تفسير قوله تعالى قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا - إسلام ويب - مركز الفتوى. و"أن" في موضع رفع. ويكون تأويل الكلام حينئذ: قل: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، أتلُ أن لا تشركوا به شيئًا. فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون قوله ﴿تشركوا﴾ نصبًا بـ"أن لا"، أم كيف يجوز توجيه قوله:"أن لا تشركوا به"، على معنى الخبر، وقد عطف عليه بقوله: ﴿ولا تقتلوا أولادكم من إملاق﴾ ، وما بعد ذلك من جزم النهي؟ قيل: جاز ذلك، كما قال تعالى ذكره: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ ، فجعل"أن أكون" خبرًا، و"أنْ" اسمًا، ثم عطف عليه" ولا تكونن من المشركين "، [سورة الأنعام: ١٤] ، [[قوله: ((ولا تكونن من المشركين)) ، ساقط في المطبوعة والمخطوطة، واستظهرت زيادته من معاني القرآن للفراء ١: ٣٦٤، وهي زيادة يفسد الكلام بإسقاطها. ]]
نتوقف في هذا المقام لدراسة ثلاث آيات من سورة الأنعام حول الحلال والحرام في بيان الله جل شأنه. «قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألاَّ تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياكم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون» (سورة الأنعام، الآية 151). «قل» لهم يا محمد «تعالوا أتل» أقرأ لكم «ما حرم ربكم عليكم»، فقد أوحى إلي: «ألا تشركوا به شيئاً». فلا شيء البتة يمكن له أن يكون عدلاً مع الله، لأن كل شيء إنما هو خالقه، وقد جاء الشرك أولاً لأنه أكبر الكبائر: «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدا». بر الوالدين بعد النهي عن الشرك الذي جاء في المرتبة الأولى، أوصى الله تبارك وتعالى الأبناء بأن يحسنوا إلى والديهم «وبالوالدين إحسانا» أي أن الخالق سبحانه أوصى «بالوالدين»، وليس بالأبوين. الباحث القرآني. فالكمة تذكرك بالولادة، فأنت ولدهما، ووليدهما، وقد ولدتَ منهما نتيجة تلاقح بين هذا الرجل وهذه المرأة. ولذلك هو والدك، لأنك لم تكن لتولد لولاه، ثم هي والدتك، لأنك لم تكن لتولد لولا أنها ولدتك.
«وبالوالدين»، بمعنى أن هذه العملية المجردة وحدها قد جعلتهما والدين لك، أي بمجرد أنك ولدت، وحتى لو انقطعت العلاقة بينك وبينهما منذ اليوم الأول، وتولى غيرهما تربيتك، فذلك لا يسقط أنك ولدهما، وعندما تكبر قد تقول للرجل الذي رباك: أبي، وتقول للمرأة التي ربتك: أمي. ولكن لا تقول له: والدي، ولا تقول لها: والدتي. لأنهما ربياك فقط، ولم يلداك. «وبالوالدين إحساناً»، ومعنى الإحسان، أن يكسبا منك الحسنات، أي أن تفعل ما باستطاعتك حتى تحسن إليهما، وتوصل إليهما الحسنات، عرفاناً منك بفضلهما عليك، سواء في الولادة والتربية معاً، أو في الولادة من دون التربية، لأن المولود قد لا يرى والديه، أو قد لا يرى أحدهما. ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير والده، لكنه: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كما أن ابنته فاطمة، هي: فاطمة بنت محمد بن عبد الله. فعليك أن تكون مؤدباً مع والديك في الظروف جميعاً، وألاَّ ترفع صوتك عليهما مهما رأيت منهما. «وبالوالدين إحساناً»، فلا يكفي ألا تكون سيِّئاً مع والديك، بل عليك أن تحسن إليهما حتى لو كانت ثمة مؤاخذات عليهما. قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم - YouTube. «ولا تقتلوا أولادكم من إملاق». وإذا كانت هناك «وبا» للتوصية، فهنا «ولا» للنهي، فلا ترتكبوا هذه الجناية بحق «أولادكم» تحت ذريعة الفقر، أو ضيق المعيشة.
١٤١٣٧- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿ولا تقتلوا أولادكم من إملاق﴾ ، قال:"الإملاق"، الفقر. ١٤١٣٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: ﴿من إملاق﴾ ، قال: شياطينهم، يأمرونهم أن يئِدوا أولادهم خيفة العَيْلة. ١٤١٣٩- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك في قوله: ﴿من إملاق﴾ ، يعني: من خشية فقر. القول في تأويل قوله: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تقربوا الظاهرَ من الأشياء المحرّمة عليكم، [[انظر تفسير ((الفواحش)) فيما سلف ٨: ٢٠٣، تعليق: ٢، والمراجع هناك. ]] التي هي علانية بينكم لا تناكرون ركوبها، والباطنَ منها الذي تأتونه سرًّا في خفاء لا تجاهرون به، فإن كل ذلك حرام. [[انظر تفسير ((ظهر)) ، و ((بطن)) فيما سلف ص ٧٢ - ٧٥، ثم انظر الأثر رقم: ٩٠٧٥. ]] وقد قيل: إنما قيل: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن، لأنهم كانوا يستقبحون من معاني الزنى بعضًا [دون بعض]. وليس ما قالوا من ذلك بمدفوع، غير أن دليل الظاهر من التنزيل على النهي عن ظاهر كل فاحشة وباطنها، ولا خبر يقطع العذرَ، بأنه عنى به بعض دون جميع.
«وبعهد الله أوفوا». كونوا أوفياء لمعاهدة الإيمان التي عاهدتموها مع الله عندما انتسبتم إلى الإسلام، وسألتم الله أن يقبل إسلامكم. فلتلك المعاهدة بنودها، وعليكم أن تكونوا أوفياء بها، وألا تخلوا بتلك البنود، فبموجبها سألتم الله قبول إسلامكم، وبموجبها قبل الله إسلامكم، «وبعهد الله» لا تخلوا. «ذلكم» ما تقدم ذكره «وصاكم به»، فالتزموا وصية الله «لعلكم تذكرون»، تتعظون. الصراط المستقيم «وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السُّبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون» (سورة الأنعام: الآية 153). «وأن هذا» الذي أبيِّنه لكم إنما هو «صراطي» طريق الإسلام «مستقيماً»، لا عوج فيه، «فاتبعوه»، تستقيموا باتباعه. «ولا تتبعوا السبل» الطرق المعوجة «فتفرق بكم عن سبيله»، تشتتكم عن بعضكم البعض، وتجعلكم في اعوجاج «عن» سبيل الله المستقيم. «ذلكم وصّاكم به» الله «لعلكم تتقون» عواقب اتباع «خطوات الشيطان». وقد جاءت وصية الله في الآيتين المتتاليتين، في الأولى: «لعلكم تذكرون»، تتعظون بهذا البيان. وفي الثانية «لعلكم تتقون» عواقب السبل المعوجة. ولا يوصيك إلا من يريد بك خيراً، وعندما يوصيك الله باتخاذ الطريق المستقيم، فإنه في الوقت ذاته يوصيك بعدم اتخاذ الطرق المعوجة.
«نحن» بنون العظمة المكررة في الكلمة التالية «نرزقكم» نمدكم بالأرزاق «وإياهم» ونمدهم أيضاً. تجنب الفواحش «ولا تقربوا الفواحش» جمع فاحشة، وهي كل ما يجعل من مرتكبه فاحشاً، ومن ذلك الزنى، فالزاني هو فاحش بزناه، والزانية هي فاحشة بزناها. «ولا تقربوا» أي كونوا بعيدين عن «الفواحش ما ظهر منها وما بطن». فمن «الفواحش» ما تكون ظاهرة، فيمارسها المرء في العلن ومنها ما تكون مبطنة في السر، فذاك موضع لارتكاب «الفواحش»، ورغم ذلك يذهب بعض الناس إليه جهاراً نهاراً، وتلك فاحشة يرتكبها رجل وامرأة بسرية تامة، وأخذ حيطة من أي شبهة. «ولا تقربوا الفواحش» جملة، سواء «ما ظهر منها» إلى العلن، «وما بطن»، كان في خفاء. «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله» قتلها «إلا بالحق». باستثناء إقامة حدود الله على الجناة من الناس، وهذا من شأن القضاء الذي يصدر هذه الأحكام بعد التحقق. «ذلكم» المبين، المفصل «وصاكم به» الله «لعلكم تعقلون»، وفي رشاد أمركم، فتفعلون ما يعقل، لا ما لا يعقل. مال اليتيم «ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدَّه وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلِّف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون» (سورة الأنعام: الآية 152).