جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن تاريخ النشر: 2007-11-17 ستبدي لك الأيام ماكنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود (طرفة بن العبد) محمد نصار سئل المأمون ذات مرة في واحد من مجالسه ، أيهما أحب إليك ، غلبة القدرة أم غلبة الحجة ؟ ، فقال غلبة الحجة ، لأن غلبة القدرة تزول بزوالها وغلبة الحجة لا يزيلها شيء. وبنظرة تأمل سريعة لهذه الكلمات القليلة في عددها ، العظيمة في معانيها وعبرها ، نرى أن الرجل قد قال فأوجز واختصر على كثيرين ممن لم تصلهم عبر التاريخ ودروسه أو وصلتهم فرمواها خلف ظهورهم ، ما يغنيهم عن خوض التجارب ويوفر عليهم وعلى من حولهم الكثير من المشاق والويلات ، خصوصا إذا ماكانوا من أولي الأمر والنهي لأن البلاء حينها سيكون أعم وأشمل.
سَتُبْدِي لَكَ الأيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِـلاً ويَأْتِيْـكَ بِالأَخْبَـارِ مَنْ لَمْ تُـ زَوِّ دِ — طرفة بن العبد معنى بيت الشعر: أي ستظهر لك الأيام ما لم تكن تعلمه، ويأتيك بالأخبار من لم تسأله وقيل ستطلعك الأيام على ما تغفل عنه. طرفة بن العبد طرفة بن العبد هو شاعر جاهلي عربي من الطبقة الأولى، من إقليم البحرين التاريخي، وهو مصنف بين شعراء المعلقات. ولد حوالي سنة 543 من أبوين شريفين وكان له من نسبه العالي ما يحقق له هذه الشاعرية فجده وأبوه وعماه المرقشان وخاله المتلمس.
3- في تمثل النبي صلى الله عليه وسلم بهذا البيت توجيه للانتفاع بالأمثال السائرة والحكم الموروثة، ما دامت صحيحة المعنى، سليمة المبنى، والله تعالى أعلم. [/align] [/cell][/tabletext][/align] [align=center][tabletext="width:70%;"][cell="filter:;"] [align=center](1) رواه أحمد، المسند رقم 24751، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة (2057). (2) فيض القدير (5 / 125).
وفات هذا الصنف الوقح أن البلاء موكل بالمنطق، وأن الكلمة الفاجرة، يقولها الفارغ من كل القيم، لا يُلْقِي لها بالاً، تهوي بسمعة قومه، وتوهن عزماتهم، وتُحَوِّلهم من مُشْتغلين بما يعنيهم، إلى مدافعين عن نفسهم، مصححين للمفاهيم الخاطئة. وعوام المصريين يقولون:- [الرَّصاصة التي لا تُصِيب تُدْوِش] وعلى ذات الوتيرة نقول:- [الكلمة التي لا تُدِين تَشَكِّك]. ولعلنا نتذكر مقولة [النعمان بن المنذر] لـ [الربيع بن زياد العبسي] عندما سمع هجاء [لبيد بن ربيعة] له، وحال تبرئة نفسه، رد عليه النعمان:- قَدْ قِيْل ما قِيْل إِنْ صِدْقاً وإنْ كذباً فَمَا اعْتِذارك من قَوْل إذا قِيلا. القول الفاجر كالقذى، يترك أثره، وإن تضافرت الجهود على إزالته. ومما لا نوده لمجتمعنا، وقد حباه الله بإمكانيات، لم تتأت لغيره، أن يكون في مستوى إمكانياته، وأن يُعْطِي للآخر صورةً مشرفةً. ولا سيما أننا مجتمع يتصف بالحياد الإيجابي، وسياسة الاحتواء، والدفع بالقوة الناعمة. هذا المجتمع الذي خَيَّبَ رهانات الأَعْداء، بتماسكه، وصلابة جبهته الداخلية، واجب شبابه، ونخبه، وعلمائه أن يكونوا أبعد الناس عن التراشق بالكلمات، والتدافع بالقول المسف، فالمسلم مطالب بالقول السديد، ولا يصعد إلى الله إلا الكلم الطيب.
ما أود الإشارة إليه التخبط في استثمار هذه الإمكانيات المذهلة، والعجز عن توظيفها لمصلحة الفئة المتلقية. وتفويت مثل هذه الفرص النادرة، تمكين للخصوم من رقاب القضايا المصيرية. لقد كان [الْكِتَابُ] من قبل مصدر المعلومة. وكان أحدنا لكي يحرر مسائله، ويؤصل معارفه، يحتاج إلى جهدٍ، ووقتٍ، ليتوفر على المصادر، والمراجع. وقد يحتاج أحدنا كي يصل إليها إلى شد الرحال. ولربما يَصْرِفُ المحتاجُ نظره، وينطوي على همه، لعجزه عن توفير الظروف المناسبة للتنقيب عن المعلومة المطلوبة. أما اليوم فكل ما تريد الوصول إليه كامن في جيبك دَاخِلَ جهازٍ لا يملأ الْكَفَّ. ومع هذا يُفَوًّتُ المقتدر الفرصة على نفسه، وقد ينتابه العجز، ويقعد به التسويف عن اقتناص المعلومة بأسرع الأوقات، وأقل الجهود. إن ساعة من نهار يخلو فيها الإنسان مع هذا الجهاز المعجزة، تُزْوى له الأرضُ حتى يَسْتَبْطِن مشارقها، ومغاربها، ويعرف دِقَّها وَجُلَّها. والإشكالية ليست في الوصول إلى المعلومة، ولكنها في حسن التلقي، وحكمة التصرف، وبراعة الاستغلال. هذه الأجهزة المذهلة بإمكانياتها، وسعة استيعابها، وسرعة استجابتها، لم تكن خالصة للفائدة، فهي كالخمر، والميسر.