وقال البخارى: قالت عائشة، رضى الله عنها: إذا أعجبك حسن عمل امرئ، فقل: ( اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). وقد ورد فى الحديث شبيه بهذا، قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا حميد، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عليكم أن تعجبوا بأحد حتى تنظروا بم يختم له؟ فإن العامل يعمل زمانا من عمره - أو: برهة من دهره - بعمل صالح لو مات عليه لدخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملا سيئا، وإن العبد ليعمل البرهة من دهره بعمل سيئ، لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملا صالحا، وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله قبل موته". قالوا: يا رسول الله وكيف يستعمله: قال: "يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه" تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة . [ التوبة: 105]. تفسير القرطبى قوله تعالى وقل اعملوا خطاب للجميع. فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون أى بإطلاعه إياهم على أعمالكم. وفى الخبر: لو أن رجلا عمل فى صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله إلى الناس كائنا ما كان. تفسير البغوى قال مجاهد: هذا وعيد لهم. قيل: رؤية النبى صلى الله عليه وسلم بإعلام الله تعالى إياه، ورؤية المؤمنين بإيقاع المحبة فى قلوبهم لأهل الصلاح، والبغضة لأهل الفساد. تفسير طنطاوى ثم أمر- سبحانه- بالتزود من العمل الصالح، وحذر من الوقوع فى العمل السيئ، فقال- تعالى-: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.
وقال - سبحانه -: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 27]. فالعاقل هو الذي يعمل في حياته الدنيا ليَسعَد ويُسعِد الآخرين في تحقيق العدالة ونشْر الأمن والتعاون، ويَسعَد في الحياة الآخرة، والجزاء هناك أجلُّ وأبقى. فعلى المسلم أن يُسارِع إلى العمل، ولا يؤجِّل عملَ اليوم إلى يوم آخر؛ فقد قال الحسن البصري: "إياك والتسويف ، فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غد لك، فكن في غد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن لك غد لم تَندَم على ما فرَّطت في اليوم"؛ (اقتضاء العمل للعمل صـ 113). وقال محمود الوراق: مضى أمسك الماضي شهيدًا معدِّلاً وأصبحت في يوم عليك شهيدُ فإن كنتَ بالأمس اقترفتَ إساءة فثنِّ بإحسان وأنت حميدُ ولا تُرْجِ فِعلَ الخير يومًا إلى غدٍ لعلَّ غدًا يأتي وأنت فقيد فيومك إن أعتبته [1] عاد نفعُه عليك وماضي الأمسِ ليس يعود (اقتضاء العلم العمل ص113). خطبة بعنوان (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) - موضوع. وقيل: إن ( سوف) من جند إبليس. كتب يوسف بن أسباط إلى محمد بن سمرة هذه الرسالة: "أي أخي، إياك وتأميرَ التسويف على نفسك، وإمكانه من قلبك، فإنه مَحِل الكَلال، وموئل التَّلف، وبه تُقطَع الآمال، وفيه تنقطِع الآجال، فإنك إن فعلتَ ذلك أبدلته من عزمك وهواك، فَعَلا واسترجعا من بدنك من السآمة ما قد ولَّى عنك، فعند مراجعته إياك لا تنتفع نفسك بنافعة".
اقرأ أيضاً أنواع الأموال الربوية أنواع الربا مقدمة الخطبة إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصّنا بخير كتابٍ أنزل، وأكرمنا بخير نبيٍّ أرسل، وأتمّ علينا نعمته بأعظم منهاج شرعٍ: منهاج الإسلام فقال -سبحانه-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا). [١] وأشهد أنّ سيدنا وإمامنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فأدى الأمانة، وبلّغ الرسالة، ونصح للأمّة، وجاهد في الله حق جهاده. الوصية بتقوى الله عباد الله ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ولزوم طاعته، فتقوى الله خير ما يوصي به المسلمُ المسلمَ، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره ونهيه، لقوله تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ). [٢] الخطبة الأولى خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان لمهمة عظيمة ورفع قدره وكرمه شرفه، قال تعالى: ( وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا)، [٣] وحتى يحقق المسلم الغاية من وجوده وينال شرف التكريم الإلهي، لا بد أن يحقّق العبادة التي من أجلها خُلِق، كما في قوله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
أما الله جل وعلا فإن كرمه شامل للدارين، وكل كرم في المخلوقين فهو من كرمه سبحانه وتعالى، فإنه هو الذي جَبَلَ عباده على هذه الصفات، وهو الذي أعطاهم ما يجودون به على الناس. والحمد لله رب العالمين.
مقالات متعلقة بالفتوى:
قالوا: ولا أنت يا رسول الله؛ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته} فهم يدخلون الجنة برحمته جل وعلا، والله غفور رحيم.