غرائب مما ذكرته التفاسير حول هذه القصة كان التركيز في قصة النبي صالح عليه السلام مع قومه على المعجزة التي جاءهم بها وهي الناقة. وقد ذكر المفسرون قصصاً كثيرة وأخباراً عن هذه الناقة، كذكرهم أن الناقة خُلقت من صخرة، أو هضبة من الأرض، ونحو ذلك من الأخبار التي لا تستند إلى دليل نقلي أو عقلي ينهض بها. يقول الشيخ رشيد رضا في هذا الصدد: "ولا يصح شيء يحتج به في خلق الناقة من الصخرة، أو من هضبة من الأرض، كما روي عن أبي الطفيل". كما أن بعض المفسرين خاض في وجه كون هذه الناقة {آية}، وذكر أقوالاً لا مستند لها، ما دفع الإمام الرازي إلى القول: "واعلم أن القرآن قد دل على أن فيها {آية}، فأما ذِكْر أنها كانت آية من أي الوجوه، فهو غير مذكور، والعلم حاصل بأنها كانت معجزة من وجه ما لا محالة". وهذا هو المسلك الأسلم في الوقوف عند ظاهر القرآن، وعدم الخوض في تفاصيل الوقائع من غير دليل معتبر. فما دام القرآن نفسه -وهو الحجة البالغة- لم يذكر تفصيلاً عن {الناقة} أكثر من أنها {بينة} من ربهم، وأنها {ناقة الله}، وفيها {آية} منه، فليُكْتَفَ بما أخبر به القرآن، دون الخوض في ذلك الخضم من الأساطير والإسرائيليات التي تفرقت بها أقوال المفسرين حول {ناقة} صالحعليه السلام.
نحتوا البيوت وتقدموا في الزراعة: "وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتا".. "وزروع ونخل طلعها هضيم" (الشعراء/148)، هضيم أي سريع الهضم، وهي فائدة علمية صحيحة عن التمر. الاستعمار والاستدمار: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" (هود/61).. الاستعمار الصحيح للأرض هو اعمارها، والاستفادة من خيراتها وكنوزها.. وليس الاستعمار الذي بليت به بلاد المسلمين من أعدائها، فكان يمتص خيراتها ويسرق كنوزها، فهو استدمار وليس استعمار. ناقة صالح آية بينة: فقد كانت خاصة في خلقتها وصفاتها، ليس كباقي النِّياق.. أما كيفية خلفها، فلا نعلم، ولا نذهب إلى الإسرائيليات. معجزة شربها لماء العين كله: "ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضَر" (القمر/28).. يشرب قوم ثمود ماء العين يوماً، وتشرب الناقة ماء العين كله يوماً آخر، وهكذا بالتناوب. اتهام النبي صالح أنه من المسحرين: "قالوا إنما أنت من المسحرين" (الشعراء/153)، السَّحْر هو ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن، والمعنى أنت مثلنا بشر، لك حلقوم ومريء، فكيف تكون نبياً؟!. اتهامهم له بأشنع الألفاظ: قال تعالى: "بل هو كذاب أَشِرٌ" (القمر/25)، الأشر: هو اللجوج كثير الكذب.. بل أخبروه أنهم انقطع أملهم فيه: "قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا" (هود/62).
عذبهم الله تعالى بالصيحة والرجفة والصاعقة: لا تعارض بين هذه الأسماء، فكل اسم لمرحلة من مراحل العذاب.. انشقت بهم الأرض، فسمعوا لها صيحة قوية، وصوتاً عالياً ثم رجفت بهم وحركتهم، ثم صعقتهم وأهلكتهم.. فالصيحة هي الصوت الشديد، والرجفة هي الحركة الشديدة، الصاعقة هي صوت شديد من السماء معها نار أو عذاب.. وكانت نهايتهم: "فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها" (الشمس/14): دمدم أي أطبق عليهم وأهلكهم، فسواها أي سوى بلادهم بالأرض. تعقيب النبي صالح عليه السلام على مصرعهم: "يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين" (الأعراف/79).. هذه هي الكلمات التي قالها النبي صالح عليه السلام عندما وقف على أطلال قومه المعذبين، وشاهد جثثهم صرعى كهشيم المحتظر. ودمتم سالمين فريق د. مجدي العطار
وقد طالبوا نبيهم بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم، فأتاهم بالناقة. وأمرهم أن يتركوا الناقة وشأنها، ولا يمسوها بسوء، غير أنهم لم يلتفوا لأمره، وقتلوا الناقة، فعاقبهم سبحانه شر عقاب، ونجى نبيه صالحاً والذين آمنوا معه. تحليل عناصر القصة تدور وقائع هذه القصة وأحداثها على ستة عناصر رئيسة، هي على النحو التالي: العنصر الأول: دعوة النبي صالح عليه السلام قومه إلى عبادة الله وحده والإخلاص له، ونبذ كل معبود سواه، سواء أكان المعبود صنماً، أم وثناً، أم غير ذلك. وقد تعددت الآيات الواردة في تقرير هذه الدعوة، منها قوله تعالى: {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} (الأعراف:73). وقوله عز وجل: {إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون} (الشعراء:142). ومنها أيضاً قوله سبحانه: {أن اعبدوا الله} (النمل:45). وقوله عز من قائل: {فاستغفروه ثم توبوا إليه} (هود:61). وقوله تعالى: {لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون} (النمل:46). العنصر الثاني: ذِكْر المعجزة التي جاءهم بها، تصديقاً لرسالته، وانقياداً لدعوته، جاء ذلك في قوله تعالى: {قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية} (الأعراف:73). وقوله سبحانه: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} (الإسراء:59).
معجزة النبي صالح عليه السلام قام قوم ثمود بطلب معجزة من سيدنا صالح عليه السلام لكي يقوموا بتصديقه ويتأكدوا من أنه صادق ، وعندما قام سيدنا صالح عليه السلام بسؤالهم عما يريدونه ، قالوا له أنهم يرغبون في أن يخرج لهم ناقة من صخرة كبيرة قريبة من المكان الذي يتواجدون فيه، وقاموا بوضع شروط تعجيزيه له في المواصفات التي يرغبون أن تكون بها الناقة، فقام صالح بالذهاب إلي المصلي ودعا ربه أن يخرج ناقة من الصخرة. واستجاب الله تعالي إلي صالح عليه السلام وخرجت الناقة من الصخرة أمام عينهم وبها كل شروطهم، فتعجب قوم ثمود من ذلك وآمن قلة منهم بصالح عليه السلام، ولكن الأكثرية استمروا في كفرهم، وطلب صالح عليه السلام من قومه أن يقومون بترك الناقة تشرب من البئر لمدة يوم ، ثم يشربون منها بعد ذلك، وصارت الناقة تشرب من البئر يوماً ، وفي اليوم التالي أخذ قوم صالح ما يحتاجون من ماء البئر ، وقاموا بالاستمرار علي ذلك الحال وهم يشربون من لبن الناقة. هلاك قوم صالح عليه السلام قام قوم صالح عليه السلام بالاجتماع في أحد الأيام لكي يتناقشوا في شأن الناقة، وتناقشوا في قتلها أو تركها حية، وقام بعضهم برفض الفكرة خوفاً من العقاب، ثم قاموا بنقل الناقة، وبعد ذلك قام تسعة رجال بقتل الناقة ومن ثم قاموا بقتل ولد الناقة، ووصل الخبر إلي صالح عليه السلام بعد ثلاثة أيام ، وقال لهم أن ينتظرهم عذاب شديد من الله تعالي ولم يصدقوا كلام صالح واستهزئوا به، وقرروا أنها سينتقمون من صالح عليه السلام بقتله وحل عذاب الله تعالي بالتسعة رجال الذين قاموا بقتل الناقة وأرسل الله عليهم حجارة وبعد ذلك أهلك الله تعالي قومهم.
وأخذ يذكر لهم أن الله تعالى هو الذي جعلهم بعد قوم عاد خلفاء في الأرض. وبدأ يذكرهم بنعم الله عليهم، ولكنهم أصروا على الرفض وكذبوه، وقالوا عنه أنه ساحر ومجنون. شاهد أيضًا: قصة النبي داود للأطفال معجزة سيدنا صالح عليه السلام عندما قال سيدنا صالح لقومه ثمود أنه لا يطلب منه سوى أن يأمنوا بالله العلي العظيم. وبأنه رسول الله مبعوث لدعوتهم، طلبوا منه أن يثبت صدق كلامه بمعجزة إلهية. فسألهم عن المعجزة التي يريدوها، فقالوا له أنهم يريدون أن يخرج لهم ناقة من صخرة معينة أشاروا عليها. ثم قاموا بتحديد مواصفات تعجيزية في الناقة، حتى لا يستطيع سيدنا صالح أن يخرجها. فذهب رسول الله صالح عليه السلام إلى المسجد يصلي، ويدعي ربه أن يخرج ناقة بتلك المواصفات، فاستجاب له ربه. وخرجت ناقة بنفس المواصفات التي طلبوها قوم ثمود من الصخرة (قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً)[هود:64]. فآمن القليل من قوم ثمود برسول الله صالح عليه السلام ولكن أكثرهم لم يأمنوا. وطلب سيدنا صالح عليه السلام من قوم ثمود أن يتركوا تلك الناقة، تقوم بشرب الماء من البئر يوم ويشربون هم منه في اليوم الذي يليه.
وقوله عز وجل: { قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} (الشعراء:155). العنصر الثالث: تذكيرهم بما أنعم الله عليه من نعم، وما منَّ عليهم من مِنَن، جاء في ذلك قوله عز من قائل: { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا} (الأعراف:74). وقوله سبحانه: { هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها} (هود:61). العنصر الرابع: الإنكار عليهم لما هم عليه من فساد عريض وطغيان كبير، وإيثار للحياة الدنيا على الحياة الآخرة، نقرأ في ذلك قوله تعالى: { فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} (الأعراف:74). وقوله سبحانه: { وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين} (الحجر:82). وقوله عز وجل: { أتتركون في ما ها هنا آمنين * في جنات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم * وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين} (الشعراء:146-149). وقوله عز من قائل: { يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة} (النمل:46). العنصر الخامس: موقف قوم صالح عليه السلام من دعوته نحا منحى السخرية والتكبر والاستعلاء في الأرض، وهو ما أشارت إليه الآيات التاليات: قوله سبحانه: { فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين} (الأعراف:77).