والدعوة الثانية وقعت وقد جعل بلدا، فكأنه قال: اجعل هذا المكان الذي صيرته بلدا ذا أمن وسلامة. الثاني: أن تكون الدعوتان وقعتا بعد ما صار المكان بلدا، فقوله: اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً تقديره: أجعل هذا البلد بلدا آمنا كقولك: كان اليوم يوما حارا، وهذا إنما تذكره للمبالغة في وصفه بالحرارة، لأن التنكير يدل على المبالغة فقوله: رب اجعل هذا البلد بلدا آمنا معناه: اجعله من البلدان الكاملة في الأمن. وأما قوله: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً فليس فيه إلا طلب الأمن لا طلب المبالغة. أما الدعوة الثانية التي توجه بها إبراهيم إلى ربه من أجل أهل مكة فقد حكاها القرآن في قوله: وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. أى: كما أسألك يا إلهى أن تجعل هذا لبلد بلدا آمنا. دعاء سيدنا ابراهيم رب اجعل هذا البلد امنا - موقع موسوعتى. أسألك كذلك أن ترزق المؤمنين من أهله من الثمرات ما يسد حاجاتهم، ويغنيهم من الاحتياج إلى غيرك. وقوله: «ارزق» مأخوذ من رزقه يرزقه إذا أعطاه ما ينتفع به من مأكول وغيره. والثمرات: جمع ثمرة، وهي ما يحمله شجر أو زرع أو غيره من النبات. وإنما طلب ابراهيم- عليه السلام- من الله أن يجعل مكة بلدا آمنا، وأن يرزق أهلها من الثمرات بما يغنيهم لأن البلد إذا امتدت إليه ظلال الأمن، وكانت مطالب الحياة فيه ميسرة، أقبل أهله على طاعة الله بقلوب مطمئنة وتفرغوا لذلك بنفوس مستقرة.
تعمر البلاد إذا شعر أهلها بالأمن، وتنمو ثرواتها إذا شعر أهلها بالأمن، فالحياة المستقرة تكون بالأمن، والفوضى والهرج يكون عند اختلال الأمن. ولذا لم يغفل الإسلام هذا الجانب؛ بل جاء ليجعل الأمن مقاما بين الناس، فدعا المسلمين إلى فعل كل ما يكون مساعدا في توفير الأمن والسلامة، وحذرهم من كل ما يكون سببا في ذهابهما وحلول ضدهما، وإن خير ما يشهد لهذا موقف عرفة، أعظم مجمع في تاريخ الأمة في حجة الوداع يخاطب النّبي – صلّى الله عليه وسلّم- الأمة إلى قيام الساعة، يأمرها بتحقيق الأمن والسلامة، وبالابتعاد عن كل ما يكون مخلا بذلك من القتل ونحوه، فقال -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري: (أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: أي شهر هذا؟. دعاء إبراهيم لمكة المكرمة - YouTube. قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟. قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليست بالبلدة الحرام؟. قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت.
38534 - فهذه حكاية مالك - رحمه الله - وقوله وخبره عن مكة. 38535 - وفي حديث هذا الباب من الآداب وجميل الأخلاق ، وإعطاء الصغير من الولدان التحفة والطرفة وما يسر به ويعجبه ، وينفعه ، وأنه أولى بذلك من الكبير لقلة صبره ، وشدة فرحه باليسير منه. 38536 - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الأطفال ويلاطفهم ويعجبه أن يسرهم ، وفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة. [ ص: 18] 38537 - حدثني عبد الوارث قال: حدثني قاسم قال: حدثني أبو قلابة قال: حدثني أبو ربيعة قال: حدثني جرير بن حازم ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتي بالباكورة ، دفعها إلى أصغر من يحضره من الولدان. 38538 - أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال: حدثني قاسم بن أصبغ قال: حدثني محمد بن عبد السلام الخشني قال: حدثني محمد بن بشار بندار قال: حدثني سعيد بن عامر قال: حدثني شعبة ، عن قتادة ، عن أنس قال: إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلاطفنا حتى أن كان ليقول لأخ لي صغير: " يا أبا عمير ، ما فعل النغير ".
0 تصويتات 1.