اللافت أن النساء اللواتي يقصين من النقاشات الجدية في مجالات مثل السياسة والاقتصاد وغيرها تصبح محور أبرز البرامج المصنفة "اجتماعية". لكن للأسف، لا يدور النقاش في هذه البرامج حول قضايا النساء كقضايا، ولا يتم التعامل معها بوعي، بل تتم شخصنتها. يتعامل المحاور مع ضيفاته وكأن معاناتهن شأن فردي منفصل عن سياقٍ عام يحض على تهميش النساء وتعنيفهن. فتتحول قضية العنف مثلاً إلى نميمة فضائحية لا تلحظ واقع المرأة في المجتمع، وعلاقات القوة التي تُنتج العنف الموجّه ضدها. وخلال هذه الحوارات، يظهر حرص المحاورين على إبقاء النقاش على مستوى الأفراد، فلا يمسّ النظام الأبوي والبنية البطريركية في المجتمع. هكذا يبرّأ المسؤولون، من مشرعين وقضاة وأجهزة إنفاذ القانون وحتى المعنّفين، من مسؤولياتهم عن حلقة العنف. ويبقى النقاش سطحياً، يتجنب البحث في أسباب المشكلة. بل يتحول إلى نقاش ميزوجيني يتبارى فيه الضيوف في الإساءة إلى النساء. جنسيات مذيعي قناة فرانس 24. استبعاد النساء من الحوارات على المحطات اللبنانية خلال 3 أشهر من الرصد، ظهرت برامج جديدة تدّعي تبنّي قضايا النساء. بيّنت محطة الـ"أل بي سي"، عدم اكتراثها فعلياً بقضايا النساء أو آرائهن وعدم تبنيها في سياساتها العامة لأي من القضايا النسوية.
فجزء كبير من الضيوف هم من أصحاب القرار وممثلين عن قطاعات مهنية مختلفة. مثلاً استقبل البرنامج 4 مرشحين للانتخابات اللبنانية المقبلة للحديث عن ائتلاف "شمالنا" في حلقة غابت عنها مرشحات الائتلاف. وفي حلقة طرحت قضايا التعليم ، اختير جميع الضيوف من الرجال، بعضهم من ممثلي الأساتذة وإدارات المدارس، في حين تشكل النساء نسبةً كبيرةً من العاملين في القطاع. أما على شاشة المنار المعروفة بضوابطها "الشرعية" وموقفها الواضح من قضايا النساء، فاستضاف برنامج "مع الحدث" الحواري الصباحي 4 سيدات فقط مقابل 134 رجلاً، أي ما تقارب نسبته الـ 3%. مذيعات ام بي سي في اسبوع الكيمياء. تكشف هذه النسب كيف يشكل الإعلام التقليدي عائقاً أمام تقدم النساء في الشأن العام. فهو يهمّش حضورهن في الفضاءات العامة، ويبعدهن عن النقاشات والحوارات مهما كنّ ضليعات فيها. بارقة أمل في البرامج الحوارية قدمتها الزميلة صبحية نجار عبر برنامجها "مصلحة عامة"، وهو فكرة وإنتاج برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. بسلاسة حاورت نجار ضيفاتها الست، على مدى 3 حلقات، بمواضيع مختلفة تعني المواطنين/ات، فأظهرت كفاءات النساء التي تطمسها البرامج الحوارية. وفي مقابلتها مع "شيكة ولكن"، لفتت ميرا عبدالله إلى "خطورة عدم إعطاء مساحات للنساء، لأن ذلك يؤثر على الجمهور وتحديداً النساء أنفسهن، فيشعرن بأن أصواتهن غير ممثلة ويخسرن الدافع لينشطن في الشأن العام.
يؤكد رصد المؤسسة استمرار طغيان الخطاب الذكوري في غالبية المحطات وتهميش النساء. فحظيت النساء بنسبة 11% من التغطيات الإعلامية مقابل 89% للرجال. وسجل التقرير تحسناً في نسبة حضور المرأة بشكلٍ طفيف. إذ بلغت في شباط 7%. لكنه أشار إلى أن حضورها في نشرات الأخبار ما زال منخفضاً جداً، تماماً كما في شهر شباط/فبراير، ولم يتعدّ 5%. من جهتها، اعتبرت عبدالله أن "التمييز ضد النساء، وإن كان في غالبيته غير مقصود، لكنه متعمّد في بعض الأحيان. مذيعات ام بي سي في اسبوع يوم. لأن هناك أشخاصاً يريدون حماية منظومة معينة. وعندما تخرق النساء سقفها الزجاجي تتزعزع هذه المنظومة". يبيّن إذاً تهميش النساء في الإعلام كيف تُوضع العوائق في درب تقدمهن، وكيف يتمّ التعتيم على إنجازاتهن ووجودهن في العديد من المواقع المتقدمة، ما يؤدي إلى إبعادهن عن مراكز القرار. من هنا، تدعو هذه الوقائع والأرقام وسائل الإعلام والإعلاميين والإعلاميات إلى إعادة النظر بأدائهن/م الإعلامي المرتبط بقضايا النساء.