ثم قال سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165] يعني: أشد حبًا لله من هؤلاء لأندادهم؛ لأن حبهم لله خالص، وحب هؤلاء مشترك. فالمؤمن أشد حبًا لله من هؤلاء المشركين في حبهم لأندادهم، وأشد حبًا منهم لله أيضًا؛ لأن محبة المشركين لله مشتركة مبعضة، ومحبة المسلمين لله وحده كاملة ليس فيها نقص، ولا شركة. فالحاصل أن المشركين وإن أحبوا الله لكن محبتهم ناقصة، محبتهم ضعيفة؛ لأنهم شركوا فيها حب الأنداد التي عبدوها من دون الله. والذين امنو اشد حبا لله. أما المؤمنون فهم أحب لله، وأكمل حباً لله من أولئك لأندادهم، ومن أولئك لحبهم لله، فهم يحبون الله حباً أكمل من حب المشركين لله، وأكمل من حب المشركين لأندادهم أيضًا.
نقله لكم بشيء من الاختصار:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا وما لهم في الدار الآخرة ، حيث جعلوا [ له] أندادا ، أي: أمثالا ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه ، وهو الله لا إله إلا هو ، ولا ضد له ولا ند له ، ولا شريك معه. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البقرة - الآية 165. وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قلت: يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك ". وقوله: ( والذين آمنوا أشد حبا لله) ولحبهم لله وتمام معرفتهم به ، وتوقيرهم وتوحيدهم له ، لا يشركون به شيئا ، بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه ، ويلجئون في جميع أمورهم إليه. ثم توعد تعالى المشركين به ، الظالمين لأنفسهم بذلك فقال: ( ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا). قال بعضهم: تقدير الكلام: لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن القوة لله جميعا ، أي: إن الحكم له وحده لا شريك له ، وأن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه ( وأن الله شديد العذاب) كما قال: ( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) [ الفجر: 25 ، 26] يقول: لو علموا ما يعاينونه هنالك ، وما يحل بهم من الأمر الفظيع المنكر الهائل على شركهم وكفرهم ، لانتهوا عما هم فيه من الضلال.