للشيخ عبد العزيز بن باز الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله ، نبينا محمد وآله وصحبه. « فائدة – نسأل الله التوفيق فيها – ! » | قناة إقناع. أما بعد: فلا ريب أن طلب العلم من أفضل القربات ، ومن أسباب الفوز بالجنة والكرامة لمن عمل به. ومن أهم المهمات الإخلاص في طلبه ، وذلك بأن يكون طلبه لله لا لغرض آخر ، لأن ذلك هو سبيل الانتفاع به ، وسبب التوفيق لبلوغ المراتب العالية في الدنيا والآخرة. وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة – يعني ريحها -" أخرجه أبو داود بإسناد حسن.
يعني أن يكون الله سبحانه وتعالى وكيلك. فبالتأكيد سيرضيك بالخير الذي قدره لك حتى لو على غير هواك. ويهبك الدعوة المستجابة.
عاشراً: حسن عشرة الإنسان لأهله؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: « خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي » ، فالعبد إذا قضى حوائج أهله وقدمها على الأصدقاء والأصحاب والأقارب، كان موفقاً مسدداً؛ فحقهم أولى وأوجب من غيرهم. فيجب عليك أخي أن تعطي لكل ذي حق حقه، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وتأمل في فجائية المؤاخذة ؛ حيث تترس القوم وتحصنوا ، وظنوا أنهم لا قِبل لأحد بهم ، ولا أن حصونهم مستَطَاعة ؛ فإذا ببنيانهم ينهار ، وإذا بأسقف غرورهم تتهدم أمام قدرة الله – جل جلاله – ؛ إذ مع الحيطة والحذر وشدة اليقظة والاحتساب – وهو المبالغة في الحسبان – أن قواهم فوق كل القوى ، وأن عتادهم يملأ الأركان ، فلا مدخل لعقوبة إليهم ، ولا مجال لقرب نازلة منهم – كما زعموا –. ولكن قد تهاوت أحلام يقظتهم هذه مع أول فجأة ، وعقوبة ممن لا يعصمهم منه عاصم ، ولا يحفظهم منه مَن بيده ملكوت كل شيء وهو يُجير ولا يُجار عليه!. نسأل الله التوفيق - الطير الأبابيل. ومع هذا الظن الكاذب – وهو أنهم في عصمة و مأمن من أي إغارة وشر – والذي ملأ قلوبهم غرورا وكبرا ، عاقبهم الله من جنس عملهم ، فملأ قلوبهم رعبا ورهبة. » واستعمال ( القذف) هنا له دلالة بلاغية راقية ، إذ القذف: هو الرمي بشدة ؛ فالمعنى المحوري لهذه الكلمة هو الدفع بغلظة وقوة إلى مسافة بعيدة. فالرعب قد استوعب قلوبهم ، وغار بداخلها إلى أن وصل إلى أعماقها ، فليس خوفا ورعبا سطحيا ، بل متوغل في القلب يصعب خروجه ؛ ولعلك تلمح شاهدا على ذلك في قول الله تعالى لأم موسى { أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم} فاستعمل مع التابوت القذف ، وذلك لشدة تعلقها بولدها ، وكأنها تنزعه من نفسها نزعا لتلقيه.
(أعناب)، جمع عنب وهو اسم جنس واحده عنبة، ووزن أعناب أفعال. (الكبر)، مصدر فعل كبر يكبر باب فرح، وزنه فعل بكسر الفاء وفتح العين. (ذرّيّة)، جاء في لسان العرب ما يلي: ذرّ اللّه الخلق في الأرض: نشرهم، والذرّيّة فعليّة - بضمّ الفاء- منه، وهي منسوبة إلى الذرّ الذي هو النمل الصغار، وكان قياسه ذريّة- بفتح الذال- لكنه نسب شاذ لم يجيء إلّا مضموم الأول.. أجمع القرّاء على ترك الهمزة في الذريّة، وقال يونس: أهل مكّة يخالفون غيرهم من العرب فيهمزون النبيّ والبريّة والذرّيّة من ذرأ اللّه الخلق أي: خلقهم. الباحث القرآني. وقال أبو إسحاق النحوي: الذريّة غير مهموز.. وقال بعض النحويين: أصلها ذرّورة هي فعلولة، ولكن التضعيف لمّا كثر أبدل من الراء الأخيرة ياء فصارت ذرّوية- بتشديد الراء- ثمّ أدغمت الواو في الياء فصارت ذرّيّة. قال، وقول من قال إنه فعليّة- بضمّ الفاء- أقيس وأجود عند النحويين... الذريّة: اسم يجمع نسل الإنسان من ذكر وأنثى وأصلها الهمز لكنّهم حذفوه فلم يستعملوها إلّا غير مهموزة، وقيل: أصلها من الذرّ بمعنى التفريق لأن اللّه تعالى ذرّهم في الأرض أهـ. وقال العكبريّ... إنّه من ذرأ بالهمز فأصله على هذا ذروءة زنة فعولة، ثمّ أبدلت الهمزة ياء، وأبدلت الواو ياء فرارا من ثقل الهمزة والواو والضمّة.
وقوله: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ مَثَل نفقة الذين يُنفقون كمثل جنة، أو مثل الذين ينفقون، كمثل غارس جنة، كما قلنا في المثل الأول الذي هو: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ [سورة البقرة:261] هنا المُنفق يُمثل بحبة، كمثل باذر حبة، إذا كان المثل مضروب للمنفقين، وإذا كان المثل مضروب للنفقات، مثل نفقات الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ [سورة البقرة:261]. وهنا وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ غارس جنة، إذا كان المثل قد ضُرب للمنفقين، وإذا كان المثل قد ضُرب للنفقات: ومثل نفقات الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله، وتثبيتًا من أنفسهم، كمثل جنة، فهذا يحتمل، وبين الأمرين (المُنفق والنفقة) مُلازمة، والمقصود: بيان عِظم عائدة هذه النفقة، وما يكون لها من ثمرة، وعائدة تعود على صاحبها عند الله -تبارك وتعالى. فالذي يُنفق ماله رئاء ناس مثله بالصفوان، الذي عليه تراب، فأصابه وابل فغسله، ولم يرجع من ذلك بشيء، وهنا على عكس ذلك: جنة بربوة، فهذا لا شك أنه بيان للبون بين الحالين، والفرق العظيم بين هؤلاء وهؤلاء.
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) وهذا مثل المؤمنين المنفقين ( أموالهم ابتغاء مرضاة الله) عنهم في ذلك ( وتثبيتا من أنفسهم) أي: وهم متحققون مثبتون أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء ، ونظير هذا في المعنى ، قوله عليه السلام في الحديث المتفق على صحته: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا... " أي: يؤمن أن الله شرعه ، ويحتسب عند الله ثوابه. قال الشعبي: ( وتثبيتا من أنفسهم) أي: تصديقا ويقينا. وكذا قال قتادة ، وأبو صالح ، وابن زيد. واختاره ابن جرير. وقال مجاهد والحسن: أي: يتثبتون أين يضعون صدقاتهم. وقوله: ( كمثل جنة بربوة) أي: كمثل بستان بربوة. وهو عند الجمهور: المكان المرتفع المستوي من الأرض. وزاد ابن عباس والضحاك: وتجري فيه الأنهار. قال ابن جرير: وفي الربوة ثلاث لغات هن ثلاث قراءات: بضم الراء ، وبها قرأ عامة أهل المدينة والحجاز والعراق. وفتحها ، وهي قراءة بعض أهل الشام والكوفة ، ويقال: إنها لغة تميم.