ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم له مثل أجر الأمة كلها. قال المناوي رحمه الله: " إن جميع حسناتنا وأعمالنا الصالحة ، وعبادات كل مسلم: مسطرة في صحائف نبينا صلى الله عليه وسلم ، زيادةَ على ما له من الأجر ، ويحصل له من الأجور بعدد أمته أضعافا مضاعفة لا تحصى ، يقصر العقل عن إدراكها ؛ لأن كل مُهْدٍ ودالٍّ وعالمٍ: يحصل له أجر إلى يوم القيامة ، يتجدد لشيخه في الهداية مثل ذلك الأجر ، ولشيخ شيخه مثلاه ، وللشيخ الثالث أربعة ، والرابع ثمانية ، وهكذا تُضَعَّف في كل مرتبة بعدد الأجور الحاصلة قبله إلى أن ينتهي إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم.
و روى الطبرسي أنّ سائلاً قام على عهد النبي صلىاللهعليهوآله ، فسأل فسكت القوم. ثمّ إنّ رجلاً أعطاه فأعطاه القوم. فقال النبي صلىاللهعليهوآله: «من استنّ خيرا فاستنّ به ، فله أجره و مثل أجور من اتبع من غير منتقص من أجورهم ، ومن استنّ شرّا فاستنّ به ، فعليه وزره ومثل أوزار من اتبعه من غير منتقص من أوزارهم» (122). إنّ المقصود من السنة في هذه الرواية إحدى هذه الأمور: الأول: المبادرة إلى فعل الخير وتعليم الغير إيّاه ، وإجراء عادة حسنة شرعا وترويجها بين الناس ، وترغيبهم على ذلك ، كمثل إفشاء السلام والابتداء به ، وإنشاء المبرّات الجارية وما شابهه. وهذا المعنى مقبول ولكنه بعد إحراز مطلوبيته شرعا ، وإلاّ فإذا كان الأمر راجعا إلى العبادات الشرعية ، فبناءا على توقيفية العبادات ، لا يجوز لأحد أن يخترع شيئا ويضيفه إلى الشارع ، ويدخل في عنوان البدعة. قال النووي في شرح الخبر: «فيه الحثّ على الابتداء بالخيرات وسنّ السنن الحسنات ، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات» (123). الثاني: المقصود هو إحياء السنة ، وهو في فرض ثبوت أصل السنة في أمر ، كمثل سنة الاعتكاف. وهذه السنة هي سنة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله (124) ، ويؤيده ما رواه ابن ماجة باسناده عن كثير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله أنه قال: «من أحيا سنة من سنّتي فعمل بها النّاس ، كان له مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئا ، ومن ابتدع بدعة فعمل بها ، كان عليه أوزار من عمل بها لا ينقص من أوزار من عمل بها شيئا» (125).
وفضل الله عظيم. ومن أعان المجاهد على الجهاد بزاد، أو سلاح، أو قيام بشؤون أهله، أو دله على من يحمله -كما في سبب ورود الحديث-، فله مثل أجره. وعليه أن لا يأمن مكر الله، وأن يحافظ على الخير، والطاعة؛ حتى يلقى الله، فإن الشهيد قد فارق الدنيا وأفضى إلى ما قدم، أما هو فما زال في الدنيا. ولا ينبغي للمسلم أن يأمن مكر الله، ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال: لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها، ما أمنت مكر الله. والله أعلم.
ويتساءل المرءُ: لماذا لم يطالب بالتمهُّل لا بالوقوف؟ ولعلها إشارة غير واعية من امرئ القيس إلى توقف الحياة التي كان يحياها، فعندما دفَن والده، دفَن معه لهوَه ومتعتَه، فتصلَّبتِ الدماءُ الحارة في عروقه، وتملَّكه القنوط، واستبدَّ به اليأس، وكم من ذكرى جميلة ضاعت على هذا الدرب! قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول - إسألنا. ممَّا ضاعف الألم في النفس؛ فانهارت قواه النفسية والجسدية أمام الأهوال التي واجهته؛ فلم يمتلك القدرةَ على فعل أيِّ شيء سوى البكاء، وهي حالة نفسية اضطرارية لا مفرَّ منها، فالموقف الذي أصبح فيه لا يحتمل فرصةً للتأمل، أو برهة للتفكُّر، أو لحظة للتذكُّر؛ ولذا كان البكاء علَّةَ الوقوف، وإذا كان بكاء الرجل صعبًا، فكيف يكون بكاء الأمير؟! ولنا أن نتصوَّر حينئذٍ عمقَ المأزق النفسي الذي قادته إليه الأيام. • وهو لم يستطع كبتَ جموحه العاطفي، لكنه حاولَ التخفيفَ منه بإشراك الآخرين في بكائه (نَبْكِ)، ولعل لنشأته الملكيَّة أثرًا كبيرًا في هذا المقام؛ فلا يرضى لنفسه أن يبكي وحيدًا، وإن كان في قرارة نفسه يشعر بهذه الحقيقة المُرَّة. وبكاؤه في هذا السياق له ما يسوِّغه؛ فهو القائل: وإن شفائي عَبرةٌ مهَراقة = فهل عند رسمٍ دارسٍ من مُعَوَّلِ فالدمع يُخفِّفُ من وطأة الحزن الثقيلة؛ ولذا قيل: فاثلج ببرد الدمع صدرًا واغرًا = وجوانحًا مسجورةَ الرمضاءِ • وهذان العنصران اللُّغويَّان (قفا نبكِ) يرصدان - بدقة - التحوُّلَ النفسيَّ المُشبعَ بالقهر عند امرئ القيس؛ إذ هو انتقالٌ من عقدة نرجسية مشوبة بالسادية، ويجسِّدها قوله: (قفا)، إلى عقدة مازوشية توقع الألم بالذات، ويجسِّدها قوله: (نبكِ).
الأحد, 09/11/2008 - 13:01 مشترك منذ تاريخ: 27/10/2008 أهدي بيت شعر أو مقطع أغنية او خاطرة للذي بعدك دون انت تعرفه وهكذا سنهدي بعضنا البعض بطريقة وصورة عفوية جدا فأنا أهدي للذي أو للتي بعدي رأيت في عينيك قمرا وسماء وهلال وفي وجنتيك نورا و شمسا وظلال ولا عجب أنت البدور التي لا تطال أنت في قلبي وبعدك المحال
البعد النفسي لـ (قِفا نبكِ) • لعلَّ أشهر بيت عرَفتْه العرب جاء في مطلع معلقة امرئ القيس، وهو قوله: قِفا نَبْكِ من ذِكرى حبيبٍ ومَنزلِ = بسِقْطِ اللِّوى بينَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ وسنحاول في هذه الأسطر أن نُزيح اللِّثام عن بعض أسرار البيان في هذا البيت، متلمِّسين الأبعادَ النفسية له، ومستوضحين بعضَ المعاني الكامنة فيه، ويكفي أن نعرف من حياة امرئ القيس أنه سليلُ أسرة عُرِفَتْ بالإمارة، ومن الطبيعي أن تكون حياتُه مترفةً، يَرفُلُ فيها في حلل المتعة، والانغماس في اللذة؛ فالكأسُ جليسُه، والمرأةُ أنيسُه، وعلى الدنيا السلام. لكنَّ الدَّهر أنزله على مواقعة الحياة؛ فكانت الأيام حُبلى بما لا يحبُّ، فمقتلُ أبيه جعله في الواجهة والمواجهة، فقد مضى الزمن الذي يَتَّكئُ فيه على الآخرين، ويرمي بحِملِه على عاتقهم، وفاتَه أن يعلم أنَّ للحياة عبئًا ثقيلاً، وعناء طويلاً، سيحمله على عاتقه بمفرده في نهاية المطاف، فقد ظنَّ في لحظةٍ ما أنَّ أصحابه وأصدقاءه سيتكفَّلون له بحمل هذه الأعباء - لأنهم كُثُر كعدد شعر رأسه - ولكنَّ مفاجآت الأيام أثبتت له أنه كان أصلعَ الرأس؛ فالآخرون شاركوه المتعةَ واللذَّةَ، لكنَّهم لم يشاركوه الحزن والحسرة، فحاول لاهثًا أن يطارد لحظات الفرح؛ لعله يتشبَّث بلحظة منها، ولكن هيهات!
ومن الناحية العلميّة يخسر البلد الأصلي كفاءاته العلميَّة المهاجِرة، فلا يحقق تطورًا علميًّا مثلما يحققه بلد المهجَر الذي استثمر تلك الكفاءات في مجالات الحياة كافة. كذلك يشعر المهاجر في بلاد المهجر بالغربة والشوق إلى وطنه وأهله، وهذا الشعور قد يسبب له اضطرابات نفسية وقلق وشعور بعدم الأمان، وعدم الاستقرار.