فنأمل أن تكون الحكمة من وجود محرم مع المرأة في السفر ليحفظها ويرعاها قد اتضحت لك. وتقصير بعض الرجال في القيام بواجبهم ، أو وجود بعض الحالات التي لا يتبين فيها وجه المصلحة من وجود المحرم بشكل ظاهر ، لا يغير من الحكم شيئاً ؛ لأن العبرة بالغالب العام من أحوال الناس لا القليل النادر. والله أعلم.
2- ومن السنة: ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أراد الحج، فليُعجِّل))، وفي رواية أخرى: ((مَن أراد الحج، فليُعجِّل؛ فإنه يمرَضُ الصحيح، وتضِلُّ الدابَّة، وتعرِضُ الحاجةُ)) [16] ، وفي هذه الروايات دلالة واضحة على الفورية في الحج. 3- ومن المعقول: أن الأمر بالحج في وقته مطلق يحتمل الفور ويحتمل التراخي، والحمل على الفور أحوط؛ لأنه إذا حُمِل عليه يأتي بالفعل على الفور ظاهرًا وغالبًا؛ خوفًا من الإثم بالتأخير، فإن أُرِيد به الفور، فقد أتى بما أُمِر به فأمِن الضرر، وإن أُرِيد به التراخي، لا يضرُّه الفعل على الفورِ، بل ينفعه لمسارعته إلى الخير [17]. الحكمة من مشروعية الحج والعمرة. دليل المذهب الثاني القائلين بأن الحج على التراخي: 1- قوله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]. قال محمد [18]: إن الله - تعالى - فرض الحج في وقت مطلقًا؛ لأن الآية مطلقةٌ عن الوقت، فتقييدُه بالفور تقييد للمطلق، ولا يجوز تقييده إلا بدليل. 2- من السنة المشرفة: استدلُّوا بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فلقد مكث في المدينة تسع سنين، ثم أُذِّن في الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجٌّ هذا العام، فنزل بالمدينة بشرٌ كثير، كلهم يلتمس أن يأتمَّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم.
[6] نيل الأوطار ج 4ص282. [7] بدائع الصنائع ج2 ص118. [8] بدائع الصنائع ج2 ص119. [9] فقه العبادات ص213. [10] فقه العبادات د. نصر فريد واصل ص373. [11] نيل الأوطار ج 4 ص280. [12] هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف؛ بدائع الصنائع ج 2ص119، فتح القدير ج 2ص411. [13] مواهب الجليل ج2 ص471، والمغني ج2 ص161. [14] وهو قول محمد بن الحسن، وروي عن أبي حنيفة مثل قول محمد؛ فتح القدير ج2 ص411. [15] المجموع ج7 ص86، مواهب الجليل ج2 ص471، بدائع الصنائع ج2 ص119. مشروعيَّةُ السَّعْيِ وأصلُه وحِكْمَتُه - الموسوعة الفقهية - الدرر السنية. [16] نيل الأوطار ج 2ص280. [17] بدائع الصنائع ج2 ص119. [18] محمد بن الحسن الشيباني؛ لاحظ: بدائع الصنائع ج2ص119. [19] نيل الأوطار ج4ص280. [20] الحج وأحكامه؛ د. جمال الدين عطوة ص32. [21] بدائع الصنائع ج2ص119. [22] فقه العبادات؛ أ. د. نصر فريد واصل ص376.
الحج (التعريف والحكم وحكمة المشروعية) 1- الحج في اللغة: • القصد إلى شيء معظَّم؛ أي: يقصدونه معظِّمِين إياه، يقال: حج إلينا فلانٌ؛ أي: قدِم، وحجَّه يحُجُّه حجًّا: قصده [1]. • وفي الشرع: قصدُ البيت لأداءِ ركنٍ من أركان الدين، أو قصد زيارته لذلك، فهو قريب من المعنى اللغوي. والظاهر: أنه عبارة عن الأفعال المخصوصة من الطواف الفرض، والوقوف في وقته مُحرِمًا بنية الحج سابقًا؛ لأنا نقول: أركانه اثنان: الطواف، والوقوف بعرفة [2]. دليل مشروعيته: الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو فرض في العمر مرَّة، وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول. الحكمة من مشروعية الحجاب. من الكتاب: قوله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]، ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على فرضية الحج. قال ابن العربي: إن الأمر بالحج قد ورد في جملةِ الأوامر بالصلاة والزكاة والصيام في القدم إلى بعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم [3].
ولا يخفى أن من حِكم الأحكام الشرعية: اختبار العبد وابتلاؤه ليتبين المطيع من العاصي ، مع ما فيها من مصالح ، ودفعٍ للمضار. ثانياً: يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع محرم لها من الرجال ، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) رواه البخاري (1862). يشترط أن يلزمها المحرم في المدينة التي وصلت إليها ، بل متى وصلا فلها أن تذهب داخل المدينة بمفردها ، إذا كانت تأمن على نفسها. وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: ( 114272). ذكر العلماء أن من حِكَم اشتراط وجود المحرم في السفر: حفظ المرأة وصيانتها ، كما قال ابن مفلح رحمه الله في "المبدع" (3/101): "المقصود بالمحرَم: حفظ المرأة" انتهى. وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والحكمة في منع المرأة من السفر بدون محرم: صونُ المرأة عن الشر والفساد ، وحمايتها من أهل الفجور والفسق" انتهى "مجموع الفتاوى والرسائل" (24/258). شبكة الألوكة. فالمحرم في السفر يحوط المرأة ويحميها ، ويرعاها ويقوم على شؤونها ، فالسفر مظنة التعب والمشقة ، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها. فلو مرضت المرأة في السفر ، وليس عندها أحد من محارمها ، فمن الذي يحملها ، ومن الذي يبيت بجوارها ، ومن الذي يعتني بها؟ فالمحرم صيانة للمرأة ، لأن المرأة بطبيعتها ضعيفة لا تقوى على مقاومة ضعاف النفوس الذين يستغلون انفرادها فيتعرضون لها بالمضايقات والمعاكسات ، وخاصة إذا جلس بجوارها في الطائرة أو الحافلة أو القطار من لا يخاف الله ، ولا يتقيه.
من آيات الأحكام المتعلقة بالعلاقات الزوجية نقرأ قوله تعالى: { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه} (البقرة:135) هذه الآية تنفي الحرج -وهو الإثم- عمن عرَّض بالزواج بالمرأة المتوفى عنها زوجها، أو المعتدة من طلاق بائن. وتفصيل القول فيما تضمنته الآية من أحكام تنظمه المسائل التالية: المسألة الأولى: التعريض بالكلام هو خلاف التصريح به، والمراد به إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره، وهو من عُرْضِ الشيء، وهو جانبه، كأنه يحوم به على الشيء، ولا يظهره. (191) قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ ..} الآية:235 - الموقع الرسمي للشيخ أ. د. خالد السبت. ولك أن تقول في تعريفه: ما تضمن الكلام من الدلالة على شيء من غير ذكر له. المسألة الثانية: روي في تفسير (التعريض) ألفاظ كثيرة، جماعها يرجع إلى قسمين: الأول: أن يذكرها لوليها، يقول له: لا تسبقني بها، أو إني بها لراغب، أو إني لها لكفء، ونحو ذلك. الثاني: أن يشير بذلك إليها دون واسطة، فيقول لها: إني أريد التزويج، أو إنك لجميلة، إنك لصالحة، إن الله لسائق إليك خيراً، إني فيك لراغب، ومن يرغب عنك!
فالعزم فعل من الأفعال، كما ذكرنا في بعض المناسبات، والنبي ﷺ قال: القاتل والمقتول في النار قالوا: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه [3] ، فصار في النار؛ لأنه عزم، فالعزم يُؤاخذ عليه الإنسان، فلو أن أحدًا من الناس عزم على الفجور بامرأة مثلاً، وواعدها، وخرج، لكنه في الطريق حصل له حادث، أو جاء فما وجدها، فهذا يُؤاخذ كما لو أنه قد واقع بالفعل؛ لأنه إنما تخلف عن هذا الفعل لأمر خارج عن يده، وإلا فقد عزم عليه، فالعزم هو فعل من جملة الأفعال، فيُؤجر الإنسان عليه، كما لو فعل الطاعة، فإذا حال بينه وبينها مانع كُتب له، أو عليه. وأيضًا فالله -تبارك وتعالى- يأجر الإنسان بما عزم عليه وقصده، فالنبي ﷺ قال: إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر [4] ، فبلغوا مبلغ من فعل، وهكذا أيضًا في جانب المعصية، لكن هنا في ما يُكنه الإنسان في نفسه، مما يتعلق بالتزوج بفلانة أو فلانة، ممن لا يحل له أن يُبادرها بذلك لكونها في عدة الوفاة، أو الطلاق البائن الثلاث، فهذا لا يُؤاخذ الإنسان عليه، لكن ليس له أن يُصرح ولا يواعد.
والعمدة في هذه المسألة -إضافة لما نصت عليه الآية- ما روي عن عمر رضي الله عنه أن امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها، فأرسل إليهما، ففرق بينهما، وعاقبهما، وقال: لا تنكحها أبداً وجعل صداقها في بيت المال، وفشا ذلك في الناس، فبلغ عليًّا رضي الله عنه، فقال: يرحم الله أمير المؤمنين، ما بال الصداق وبيت المال! إنما جهلا، فينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة. ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء - موقع مقالات إسلام ويب. قيل: فما تقول أنت فيهما؟ فقال: لها الصداق بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما، ولا جلد عليهما، وتكمل عدتها من الأول، ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة أقراء، ثم يخطبها إن شاء. فبلغ عمر فخطب الناس فقال: أيها الناس، ردوا الجهالات إلى السنة. وروي عنه رضي الله عنه أيضاً قوله: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها، فرِّق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الزوج الأول، ثم كان الآخر خاطباً من الخطاب، وإن كان دخل بها فُرِّق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر، ثم لا يجتمعان أبداً.
روي أن سكينة بنت حنظلة بانت من زوجها فدخل عليها أبو جعفر محمد بن علي الباقر في عدتها وقال: يا بنت حنظلة أنا من قد علمت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق جدي علي وقدمي في الإسلام فقالت سكينة أتخطبني وأنا في العدة وأنت يؤخذ العلم عنك؟ فقال: إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهي في عدة زوجها أبي سلمة فذكر لها منزلته من الله عز وجل وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدة تحامله على يده. والتعريض بالخطبة جائز في عدة الوفاة أما المعتدة عن فرقة الحياة نظر: إن كانت ممن لا يحل لمن بانت منه نكاحها كالمطلقة ثلاثا والمبانة باللعان والرضاع: يجوز خطبتها تعريضا وإن كانت ممن للزوج نكاحها كالمختلعة والمفسوخ نكاحها يجوز لزوجها خطبتها تعريضا وتصريحا. وهل يجوز للغير تعريضا؟ فيه قولان: أحدهما يجوز كالمطلقة ثلاثا والثاني لا يجوز لأن المعاودة لصاحب العدة كالرجعية لا يجوز للغير تعريضها بالخطبة.
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ لضعفكم وعجلتكم وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا لا يواعدها على التزوج، فضلاً عن غيره من السِفاح والزنا والفجور، فكل ذلك مُحرم -كما هو معلوم، لكن لو أنه قال قولاً يُعرَّض فيه، يُفهمها أنه يرغب في نكاحها من غير تصريح ولا مواعدة، كأن يقول: أنا أبحث عن امرأة، أو يقول: مثلك يرغب فيه الرجال، ونحو ذلك من العبارات، فهذا لا إشكال فيه، لكن من غير عزم ومواعدة في مدة العِدة، حتى تنقضي. ثم ذكَّر بما يُذكر به عادة من تنمية المراقبة لله -تبارك وتعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ فهو يعلم ما في النفوس من الاستجابة من عدمها، والعزم، وما يقع من النيات والإرادات، فكيف بما يصدر عن الأفواه، أو تُترجم عنه الجوارح؟! فكل ذلك يعلمه الله -تبارك وتعالى، وإن خفي على الناس، فهذا يوجب الحذر، فاحذروه، واعلموا أن الله غفور لمن تاب وأناب، كثير الغفر للعباد على كثرة الذنوب والمقارفات، وعلى كثرة العباد المقارفين، حليم لا يُؤاخذ بالعقوبة. فيُؤخذ من هذه الآية الكريمة: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ أن الخواطر والوساوس التي تقع في القلوب لا يُؤاخذ الإنسان عليها إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم تعمل أو تتكلم [1] ، فقيده بهذا القيد ما لم تعمل أو تتكلم ما لم يُترجم ذلك بكلام يقوله الإنسان، أو فعل يفعله.
(إلا أن تقولوا) يعني: لكن أن تقولوا قولاً معروفاً. أي: ما عرف شرعاً من التعريض فلكم ذلك. (ولا تعزموا عقدة النكاح) يعني: لا تعزموا على عقد النكاح. (حتى يبلغ الكتاب) يعني المكتوب من العدة (أجله) أن ينتهي. (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه) يعني: ما في أنفسكم من العزم وغيره فاحذروه أن يعاقبكم إذا عزمتم، فلا تعزم عقدة النكاح، فإذا عزمت فهذا مخالف لهذا التشريع. (واعلموا أن الله غفور) أي: لمن يحذره (حليم) بتأخير العقوبة عن مستحقها.