وفي الآية الكريمة دلالة واضحة أن جميع أقوالنا وأفعالنا لا تخرُج عن حالين أبدًا: فإما الشكر أو الكفر، والمقصود بالكفر (كفر النعم). وذكر الله وشكره يكون باللسان، والأفعال، والمشاعر بالقلب طوال العمر؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163]. وأعظم الذِّكر والشكر هو توحيد الله وإفراده بالعبادة، وأعظم الكفر هو الإشراك بالله. قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]. انواع ذكر الله عليه. وإن أداء أركان الإسلام من أعظم الذكر والشكر، وتركها أو إهمالها غفلة وكفر بالنعمة. فقد صح عند البخاري أنَّ اللهَ قالَ: ((مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه)). وصلة الأرحام ذكر وشكر لله، وقطيعة الأرحام غفلة وكفر بالنعم، وقاطعُ الرحم ملعونٌ مطرود من رحمة الله، وأَصَمُّ فلا يسمع الحق ولا يعمل به، وأعمى لا يرى الحق ولا يعمل به؛ قال الله تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23].
↑ الشيخ طارق عاطف حجازي، "من فوائد الذكر" ، اطّلع عليه بتاريخ 2021-09-25. بتصرّف.
[٢] [٣] أنواع الذكر أفضل الذكر قراءة القرآن الكريم وتدبره، وتعقّل معانيه، وتلاوة ما تيسر منه، بكل حرف من القرآن الكريم حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ثمّ الذكر بعد الصلوات الخمس ، صباحاً ومساءً، [٤] وتختلف آليات الذكر ومناحيه، فيذكر العبدُ اللهَ بعينيه بالبكاء، وبأذنيه بالإصغاء، وبلسانه بالثناء، وبيديه بالعطاء، وببدنه بالوفاء، وبقلبه بالرجاء والخوف، وبروحه بالتسليم والرضى، ويتضمن ذلك ذكر الله بأسمائه وصفاته، وذكر الله بكلامه. [٥] آداب الذكر أولى آداب الذكر هي الإخلاص ، وقصد وجه الله تعالى به، فالإخلاص شرط قبول العمل الأول، فالعمل إن لم يكن مُخلَصاً لله تعالى فلا فائدةَ تبتغى، أو ترجى منه، وثاني آدابه هو حضور القلب، والتدبر فيه وهو المقصود من الذكر، وتعقل معناه، وثالثه استحباب ذكر الله على طهارة، ورابع الآداب هو التقيُّد بما ورد شرعاً من الذكر، كالذكر الذي يعقب الصلاة ونحوه، وخامس الآداب هو خفض الصوت بالذكر، وتجنب الجهر به. [٦] فوائد الذكر الذكر سبب لرضى الرحمن عزّ وجلّ، ولطرد الشيطان وقمعه، كما أنّه مجلبة للفرح والسرور، وهو مزيل للهمّ والغمّ، ومقوٍّ للبدن والقلب، ومجلبة للرزق، والذكر يضيء الوجه، ويكسو آتيه النضرة والمهابة.
<< < ج: رقم الجزء المقدمة 1 2 3 4 5 6 7 8 ص: > >> مسار الصفحة الحالية: فهرس الكتاب [٤٩] كتاب آداب القضاة (١٢) تأويل قول الله عز وجل: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} نسخ الرابط + - التشكيل (١٢) تَأْوِيلُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} << < ج: رقم الجزء المقدمة 1 2 3 4 5 6 7 8 ص: > >>
الشيخ: يعني جحد الحكم ولم يقر به، والآية عامة في أهل الكتاب وفي غيرهم؛ لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، وقد ذكر الله ما كتب عليهم وأقره ولم ينسخه، وعمل به نبينا عليه الصلاة والسلام، قال: كتاب الله القصاص، ونفذه في اليهوديين، وفي الربيع، لكن من لم يجحده وإنما فعله لهوى فهذا هو مراد ابن جرير رحمه الله، كالذي يحكم بالرشوة يكون عاصيًا ظالمًا كافرًا، لكنه ظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وكفر دون كفر، أما من جحد حكم الله واستحله فهذا كافر كفرًا أكبر، نسأل الله العافية. وقال عبد الرزاق، عن الثوري، عن زكريا، عن الشعبي: ومن لم يحكم بما أنزل الله، قال: للمسلمين.
وإن لم يجحد أو يكذِّب حكم الله تعالى. ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ). ومما يمكن إلحاقه بالإباء والامتناع: الإعراض ، والصدود يقول ـ تعالى ـ {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك يُريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلّهم ضلالاً بعيداً. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدُّون عنك صدوداً}. 7 ـ من ضمن الحالات التي يكون الحكم بغير ما أنزل الله ـ تعالى ـ كفرا أكبر ، ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم عن تشريع القانون الوضعي وتحكيمه: وهو أعظمها ، وأشملها ، وأظهرها معاندة للشرع ، ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ورسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً ، وإمداداً ، وإرصاداً ، وتأصيلاً ، وتفريعاً ، وتشكيلاً ، وتنويعاً ، وحكماً ، وإلزاماً ، ومراجع مستمدات.
الحمد لله.
أنَّ الله سبحانه وتعالى أنزل الآية في يهود بني قريظة ويهود بني النضير، إذ كانت دية قتلى بني النضير تُؤدَّى كاملة لأنَّ قتلهم لهم شرف، بينما دية قتلى بني قريظة تُؤدَّى نصفها، وعندما حكَّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم وجَّههم نحو الحق والعدل ، وأنزل الله سبحانه بهم هذه الآية. أنَّ الله سبحانه أنزل الآية في اليهوديين اللذين قاما بفاحشة الزنا، وقد بدَّلوا حكم الله في تطبيق حكم الزنا وحرَّفوه فأنزل الله سبحانه هذه الآية فيهم.