وقال ميمون بن مِهران: (لا يكون العبدُ تقيًّا حتى يكون لنفسه أشدَّ محاسبةً من الشريك لشريكه). ولذا قيل: النفس كالشريك الخَوَّان، إنْ لم تُحاسبْه ذهب بمالك. ومحاسبتهم لأنفسهم امتدت حتى آخر لحظات العمر.. وقد كان سفيان الثوري يقول - وهو في سياق الموت: (أتطمعُ لمثلي أن ينجو من النار؟). اجمل ما قيل عن الخوف من الله العنزي. سبحان الله العظيم؛ بعض الناس اليوم، لو أنَّ الله تعالى وفَّقه لقراءة القرآن كاملاً أو صيام أيامٍ نفلاً، اعتقد أنه ضَمِن الجنة بذلك! ومن هنا نعلم أهمية محاسبة النفس، وأنها صِمام أمانٍ في المحافظة على الحسنات، والاستمرار في الأعمال الصالحة حتى نهاية العمر؛ كما هو شأن السلف الصالح، ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ ﴾ [الأنعام: 90].
فجمع عليهم نوعي العذاب - عذاب النار، وعذاب الحجاب عنه سبحانه - كما جمع لأوليائه نوعي النعيم؛ نعيم التمتع بما في الجنة، ونعيم التمتع برؤيته.
والخوف من الله ووعده ووعيده، من أعظم ما ينتفع به المسلم في طريقه إلى ربه، فهو أصل كل خير في الدنيا والآخرة، فالقلب في سيره إلى الله - عز وجل - بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان، فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان، فهو عرضة لكل صائد وكاسر. وربما يظن أن كل خوف محمود، فكلما كان أقوى وأكثر، كان أحمد، وهذا الظن غلط، بل الخوف سوط الله يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل؛ لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى والأصلح للبهيمة ألا تخلو عن سوط، ولكن ليست المبالغة في الضرب محمودة؛ فالخوف له قصور وإفراط واعتدال، والمحمود هو الاعتدال الوسط، فالخوف المحمود هو الذي يكف الجوارح عن المعاصي، ويقيدها بالطاعات، وما لم يؤثر في الجوارح، فهو حديث نفس، وحركة خاطر، لا يستحق أن يسمى خوفًا، فكل ما يراد لأمر، فالمحمود منه ما يُفضي إلى المراد المقصود منه، وما يقصر عنه أو يجاوزه، فهو مذموم. إخواني يقول ربنا - عز وجل -: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 41].
أمور يُستجلب بها الخوفُ من الله تعالى الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: الخوف من الله تعالى واجب على كل مؤمن ومؤمنة؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]. وإذا كان المسلم محتاجاً إلى تزكية نفسه بالخوف من الله تعالى في كل وقت، فإن الحاجة إليه في هذا الزمن شديدة؛ لكثرة المُغرَيات والفِتن، وبين أيدينا تسعة أمور يُستجلب بها الخوف من الله تعالى، وهي على النحو التالي: 1- تدبُّر الوحي المُبين كتاباً وسُنَّة: قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ [آل عمران: 30]. ماذا قيل عن الخوف من الله - حكم. أي: يحذِّركم اللهُ نفسَه أنْ تُسخِطوها عليكم. قال الحسن البصري - رحمه الله - في معنى الآية: (يسرُّ أحدكم أن لا يلقى عمله ذلك أبداً، يكون ذلك مُناه، وأمَّا في الدنيا فقد كانت خطيئتُه يستلِذُّها). وعن عائشة - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً».
وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا"؛ رواه البخاري من حديث عائشة. ولما اشتدَّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه، قيل له في الصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت عائشة: إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء، قال: مروه فيصلي؛ رواه البخاري ومسلم. وأخبر الله تعالى أن كل من خشي الله فهو عالم، فالعلم هو الخشية؛ يقول ربُّنا تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]. فأهل الخوف لله والرجاء له، هم أهل العلم الذين مدحهم الله. الخطبة الثانية الحمد لله مؤمن الخائفين والصلاة والسلام على إمام الخائفين وبعدُ: فمن أسباب تحصيل الخوف: استحضار المخوف، وجعله نصب العين؛ بحيث لا ينسى، فنسيانه وعدم مراقبته يحول بين القلب وبين الخوف. اجمل ما قيل عن الخوف من الله والذاكرات. ومن أسباب تحصيله معرفة عيوب النفس، ومعرفة جلال الله تعالى، واستغنائه، وأنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فإذا كملت المعرفة أورثَت الخوف، ثم يفيض أثره من القلب على الجوارح.
قال القرطبي - رحمه الله: (فلا تعجبْ بإيمانك وعملك وصلاتك وصومك وجميع قُرَبِك، فإنَّ ذلك وإنْ كان من كَسبِك؛ فإنه من خَلْقِ ربِّك وفضلِه الدارِّ عليك وخيرِه، فمهما افتخرتَ بذلك كنت كالمفتخر بمتاع غيره، وربما سُلِبَ عنك فعاد قلبُك من الخير أخلى من جوف البعير). عباد الله، كان السلف الصالح يشتدُّ خوفهم من سوء الخاتمة: فقد كان سفيان الثوري - رحمه الله - يشتد قلقُه من السوابق الخواتيم، فكان يبكي ويقول: (أخاف أنْ أكون في أمِّ الكتاب شقِيًّا، ويبكي ويقول: أخاف أنْ أُسلَبَ الإيمانُ عند الموت). وكان مالك بن دينار - رحمه الله - يقوم طُول ليلِه قابضاً على لِحيته ويقول: (يا رب، قد علمتَ ساكِنَ الجنةِ من ساكنِ النار، ففي أيِّ الدارين منزل مالِكٍ). أمور يستجلب بها الخوف من الله تعالى (خطبة). ولمَّا احتُضِر عامرُ بن قيسٍ - رحمه الله - فقيل له: ما يُبكيك؟ قال: (أبكي؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]). فإذا كان هذا حالُ الصالحين الأبرار، فنحنُ أجدرُ بالخوف منهم، وإنما أمِنَّا لِغَلبة جهلنا وقسوة قُلوبِنا؛ لأنَّ القلب الصافي تُحرِّكه أدنى مخافةٍ، والقلبَ القاسي لا تنفعُ فيه كلُّ المواعظ. ومن أهم الأمور التي يُستجلب بها الخوف من الله تعالى: 9- الاستمرار في محاسبة النفس حتى آخِرَ العُمر: وكثيراً ما يُؤكد السلف الصالح على أهمية محاسبة النفس، فها هو الحسن البصري يقول: (إن المؤمن - واللهِ - ما تراه إلاَّ يلوم نفسَه على كل حالاته، يستقصِرُها في كل حال - أي: يتهمها بالتقصير - فيندم، ويلوم نفسه، وإن الفاجر ليمضي قدماً لا يُعاتب نفسه).
كثيرًا ما يتعرض الإنسان في حياته إلى بعض الكرب والضيق وإلى بعض الأمور الصعبة التي تجعله في حيرة من أمره كيف يفعل كي تُخفف هذه الهموم من على صدره، وما أكثر تلك الهموم التي تحيط بالإنسان، فالإنسان في هذه الحياة يتعرض إلى العديد من الهموم والابتلاءات التي تجعله في أمر عسير، والله تعالى هو وحده القادر على التخفيف القادر على لمِّ هذه الجراح التي تعصف بالإنسان، ومن هذه الأمور العسيرة الولادة، فهي كرب وضيق بالنسبة للمرأة، فهي تعاني الألم الشديد في الحمل وفي الولادة وفي الرضاعة. ونحن في هذا الموضوع أذكار قرآنية أجمل الأوراد القرآنية، نتعرض إلى بعض الأوراد والأدعية النبوية التي تخفف عن المرأة إن شاء الله تعالى ما تجد من صعوبة في الحمل والولادة والرضاعة. أدعية لتيسير الأمور اذكار تيسير الولادة لم ترد أذكار بعينها تقولها المرأة لتيسير الولادة، وإنما ما ورد هو الأذكار العامة بالتيسير التي يقولها العبد إن شاء الله تعالى فتتيسر أموره، ومن ذلك المرأة الحامل، فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} (الطلاق: 4) وقال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).
ومثلما نلجأ إلى القرآن نلجأ إلى السنة النبوية أيضاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم علم أصحابه في بعض المواقف أن يقرؤوا أدعية معينة، والاستعانة بالمأثور عن الرسول خير من اجتهاداتنا. يفرد ابن القيم في «زاد المعاد» كتاباً لعسر الولادة، ويقول: قال الخلال: حدثني عبدالله بن أحمد قال: رأيت أبي يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جسام أبيض أو شيء نظيف، يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين. ادعية لتيسير الولادة - موضوع. ((كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون))»، (الآية 35 من سورة الأحقاف). «كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها»، (الآية 46 من سورة النازعات). - ويذكر ابن القيم أيضاً: ويروى عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرّ عيسى عليه السلام على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها، فقالت: يا كلمة الله ادع الله لي أن يخلصني مما أنا فيه فقال عيسى عليه السلام: «يا خالق النفس من النفس، ويا مخلص النفس من النفس، ويا مخرج النفس من النفس خلصها»، قال: فرمت بولدها فإذا هي قائمة تشمّه. قال: فإذا عسر على المرأة ولدها فاكتبه لها فإنها نافعة بإذن الله (انظر زاد المعاد لابن القيم ج4 ص 326).
تاريخ النشر: الأحد 24 ربيع الآخر 1430 هـ - 19-4-2009 م التقييم: رقم الفتوى: 120439 27135 0 599 السؤال هل قراءة القرآن للمرأة الحامل مفيد للجنين ويسهل أثناء الولادة؟ الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فلا شك أن القرآن الكريم كله شفاء وعلاج ووقاية وهداية ونور لمن آمن به، وتمسك به، وطلب الشفاء فيه. قال الله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ. {الإسراء:82}، هذا في القرآن عموماً.. أدعية لتيسير الولادة - سطور. وبعض القرآن له خصائص في العلاج وغيره. قال السيوطي في الإتقان: وغالب ما يذكر في ذلك كان مستنده تجارب الصالحين.. وقد ذكر رحمه الله تعالى أشياء مما كان يقرأ بعض الصالحين... ثم قال: وأخرج البيهقي في الدعوات عن ابن عباس موقوفاً في المرأة يعسر عليها ولادها قال: يكتب في قرطاس ثم تسقى باسم الله الذي لا إله إلا هو الحليم الكريم ، سبحان الله وتعالى رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون. وقال ابن القيم في كتاب الطب النبوي: قال الخلال: حدثني عبد الله بن أحمد قال: رأيت أبي -أحمد بن حنبل- يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض أو شيء نظيف، يكتب حديث ابن عباس رضي الله عنهما: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ، فهل يهلك إلا القوم الفاسقون.
انظر أيضًا: أدعية مستجابة لتسهيل الأمور كان هذا ختام موضوعنا حول أذكار لتسهيل الولادة أدعية التيسير، قدمنا خلال هذه المقالة بعض الأوراد والأدعية التي تيسر الحمل والولادة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، تلك الأوراد والأدعية التي ينبغي للمسلم أن يدعو بها في كل وقت شعر فيه بالضيق أو التعب أو الإرهاق، وتدعو بها المرأة في وقت ضيقها ووقت الولادة ووقت الرضاعة، وكل هذه الأوقات الصعبة التي لا ملجأ للإنسان فيها إلا لربه سبحانه وتعالى.
↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:3524، صححه الألباني. ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن هجيمة بنت حيي أم الدرداء الصغرى، الصفحة أو الرقم:1/307، لا ينزل عن درجة الحسن وقد يكون على شرط الصحيحين أو أحدهما. ↑ سورة آل عمران، آية:26 ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:974، أخرجه في صحيحه.