يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلًا وهي الخصلة الثالثة للمنافقين: يراءون الناس في صلاتهم وتكون أعمالهم العبادية رياء، لأنهم لا إيمان لهم، ولا احتساب، ولا إخلاص لذلك ذمهم الله وعابهم وتوعدهم بالدرك الأسفل من النار، فحقيق المؤمن أن يحذر صفاتهم وأخلاقهم، يقول رسول الله صل الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، فسئل عنه قال: الرياء، ويقول الله تعالى يوم القيامة للمرائين: «اذهبوا إلى من كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء؟». ولا يذكرون الله إلا قليلًا: وهي الصفة الرابعة لهم: أهل الغفلة، ذكر الله عندهم قليل، لأنهم لا إيمان لهم، ولهذا غالب أحوالهم الغفلة وعدم ذكر الله جل وعلا، فينبغي لك يا عبد الله ان تكون خلافهم، وأن تكثر من ذكر الله قائمًا وقاعدًا، في الطريق وفي البيت ونحو ذلك، فلا تكن غافلًا.
وهذه صفة ظواهرهم. ثم ذكر - سبحانه - صفة بواطنهم الفاسدة فقال: يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ أى: إخلاص لهم ولا معاملة مع الله، بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التى لا يرون فيها غالبا كصلاة العشاء فى وقت العتمة وصلاة الصبح فى وقت الغلس كما ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا " وروى الحافظ ألو ليلى عن عبد الله قال: من أحسن الصلاة حيث يراه الناس، وأساءها حيث يخلو، فتلك استهانة. استهان بها ربه - عز وجل -. وقوله: وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً معطوف على يُرَآءُونَ أى: أن من صفات المنافقين أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا متباطئين متقاعسين يقصدون الرياء والسمعة بصلاتهم، ولا يذكرون الله فى صلاتهم إلا ذكرا قليلا أو وقتا قليلا؛ لأنهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون، بل هم فى صلاتهم ساهمون لاهون. روى الإِمام مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تلك صلاة المنافق - تلك صلاة المنافق. إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم. يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرنى الشيطان، قام فنقر أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا ".
وقيل: لعدم الإخلاص فيه. وهنا مسألتان:الأولى: بين الله تعالى في هذه الآية صلاة المنافقين ، وبينها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فمن صلى كصلاتهم وذكر كذكرهم لحق بهم في عدم القبول ، وخرج من مقتضى قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون. وسيأتي اللهم إلا أن يكون له عذر فيقتصر على الفرض حسب ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين رآه أخل بالصلاة فقال له: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها. رواه الأئمة. إسلام ويب - تفسير المنار - سورة النساء - تفسير قوله تعالى إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى - الجزء رقم3. وقال صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن. وقال: لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ، يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود. قال الشافعي وأحمد وإسحاق: من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة ؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود.
هذا شأن المنافقين في كل ملة وأمة ، يخادعون ويكذبون ، ويكيدون ويغشون ، ويتولون [ ص: 382] أعداء أمتهم ، ويتخذون لهم يدا عندهم ، يمتون بها إليهم إذا دالت الدولة لهم ، وسيأتي في الآية التي بعد هذه بيان ذبذبتهم ، ولكن لا يخفى على كل من الأمتين حالهم. ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم فهم يهدمون بناء الثقة بهم بأيديهم ، وكأين من منافق كانت خيانته لأمته ومساعدة أعدائها عليها سببا لهلاكه بأيدي أولئك الأعداء أنفسهم ، وقولهم: لو كان في هذا خير لكان قومه أولى بخيره منا ونحن أعداؤه وأعداؤهم ، فإن كان قد خانهم فستكون خيانته لنا أشد ، والناس يقرءون أخبار هؤلاء الأشرار في كتب التاريخ ولا يعتبرون ويكثر هؤلاء المنافقون في طور ضعف الأمة وقوة أعدائها; لأنهم طلاب المنافع ولو فيما يضر أمتهم والناس أجمعين ، وإنما تلتمس المنافع من الأقوياء وإن اقترن التماسها بالعار ، والذل والصغار.
والوجه المعقول للتعبير عن مخادعة الرسول والمؤمنين بمخادعة الله عز وجل ، هو أنهم يخادعونهم فيما يقيمون به دين الله ويعملون بما أنزل إليهم منه لا في المعاملات الشخصية الدنيوية كالبيع والشراء والمعاشرة ، فإن المخادعة في مثل هذا قد تكون مباحة أو مكروهة إذا لم يكن فيها غش ولا ضرر ، والمحرم منها لضرره لا يصل إلى درجة المخادعة في شئون الإيمان وتبليغ دين الله وإقامة كتابه فيكون من قبيل المخادعة له وهذا الوجه يتضمن أيضا تعظيم شأن الرسول والمؤمنين في التعبير عن مخادعتهم بمخادعة الله تبارك وتعالى.
كتاب الأذكار: باب فضل الذكر والحث عليه شرح العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز شرح حديث / سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة أحاديث رياض الصالحين: باب فضل الذكر والحث عليه ١٤٤٧ - وعنْ جابرٍ - رضي الله عنه - عَنِ النبي ﷺ قَالَ: منْ قَالَ: « سُبْحانَ اللَّهِ وبحَمدِهِ، غُرِستْ لهُ نَخْلَةٌ في الجَنَّةِ » رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسنٌ. ١٤٤٨ - وعن ابن مسْعُودٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسُول اللَّه ﷺ: « لَقِيتُ إبراهيمَ صَلّ اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحمَّدُ أقرئ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلام، وأَخبِرْهُمْ أنَّ الجنَّةَ طَيِّبةُ التُّرُبةِ، عذْبةُ الماءِ، وأنَّها قِيعانٌ وأنَّ غِرَاسَها: سُبْحانَ اللَّه، والحمْدُ للَّه، وَلاَ إلهَ إلاَّ اللَّه واللَّه أكْبَرُ » رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ. ١٤٤٩ - وعنْ أَبي الدِّرداءِ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: « أَلا أُنَبِّئُكُم بِخَيْرِ أَعْمَالِكُم، وأَزْكَاهَا عِند مليكِكم، وأَرْفعِها في دَرجاتِكم، وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاق الذَّهَبِ والفضَّةِ، وخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقوْا عدُوَّكم، فَتَضربُوا أَعْنَاقَهُم، ويضرِبوا أَعْنَاقكُم؟ » قَالَوا: بلَى، قَالَ: « ذِكُر اللَّهِ تَعالى » رواهُ الترمذي، قالَ الحاكمُ أَبو عبداللَّهِ: إِسناده صحيح.
النوع الرابع: ذكر آلائه وإحسانه. شاهد أيضًا: دعاء اللهم اني اعوذ بك من الهم والغم والحزن وغلبة الدين وقهر الرجال وهكذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مقالنا، الذي تحدثنا فيه عن فضل قول سبحان الله وبحمده ، وعن فضائل التسبيح، وعن ثمرات التسبيح وثوابه ثمَّ مررنا على أنواع الذكر في الإسلام وعلى كافة ثمراته التي جعلها الله تعالى للمسلمين المواظبين عليه.
وقال ﷺ: من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (عشر مرات) كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل فالخير كثير، فينبغي للمؤمن الحرص على هذا الخير وألا يفرط هذه الدار، دار الزرع، هذه الدار هي المزرعة والآخرة هي دار الجزاء والحصاد، فليزرع الخير حتى يحصد خيرا ولا يمل ولا يتعب، كل ذلك في ميزان حسناته إذا أخلص لله كل حسنة تنفعه، كل عمل صالح ينفعه فيزيد فيها حسناته يرجح ميزانه تكفر به السيئات: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤]. نسأل الله للجميع التوفيق والمسارعة إلى كل خير. الحمد لله رب العالمين تحقيق رياض الصالحين للألباني ١٤٥٠ - وعن سعْدِ بنِ أَبي وقَّاصٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ دَخَل مَعَ رسولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى امْرأَةٍ وبيْنَ يديْهَا نَوىً - أَوْ حصىً - تُسبِّحُ بِه فقال: « أَلا أُخْبِرُك بما هُو أَيْسرُ عَليْكِ مِنْ هَذَا - أَوْ أَفْضَلُ » فقال: « سُبْحانَ اللَّهِ عددَ مَا خَلَقَ في السَّماءِ، وَسُبْحانَ اللَّهِ عددَ مَا خَلَقَ في الأَرْضِ، وسُبحانَ اللَّهِ عددَ مَا بيْنَ ذلك، وسبْحانَ اللَّهِ عدد ما هُوَ خَالِقٌ. واللَّه أَكْبرُ مِثْلَ ذلكَ، والحَمْد للَّهِ مِثْل ذَلِكَ، وَلاَ إِله إِلا اللَّه مِثْل ذلكَ، وَلاَ حوْل وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّه مِثْلَ ذَلِكَ » رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.