۞ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) قوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أي أولاد سوء. قال أبو عبيدة: حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال: ذلك عند قيام الساعة ، وذهاب صالحي هذه الأمة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ينزو بعضهم على بعض في الأزقة زنى. وقد تقدم القول في ( خلف) في ( الأعراف) فلا معنى للإعادة. الثانية: قوله تعالى: أضاعوا الصلاة وقرأ عبد الله والحسن ( أضاعوا الصلوات) على الجمع. وهو ذم ونص في أن إضاعة الصلاة من الكبائر التي يوبق بها صاحبها ولا خلاف في ذلك ، وقد قال عمر: ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. واختلفوا فيمن المراد بهذه الآية ؛ فقال مجاهد: النصارى خلفوا بعد اليهود. وقال محمد بن كعب القرظي ومجاهد أيضا وعطاء: هم قوم من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في آخر الزمان ؛ أي يكون في هذه الأمة من هذه صفته لا أنهم المراد بهذه الآية. فخلف من بعدهم خلف أضاعوا mp4. واختلفوا أيضا في معنى إضاعتها ؛ فقال القرظي: هي إضاعة كفر وجحد بها. وقال القاسم بن مخيمرة ، وعبد الله بن مسعود: هي إضاعة أوقاتها ، وعدم القيام بحقوقها وهو الصحيح ، وأنها إذا صليت مخلى بها لا تصح ولا تجزئ ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي صلى وجاء فسلم عليه ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاث مرات خرجه مسلم ، وقال حذيفة لرجل يصلي فطفف: منذ كم تصلي هذه الصلاة ؟ قال منذ أربعين عاما.
قوله تعالى ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب يريد التوراة. وهذا تشديد في لزوم قول الحق في الشرع والأحكام ، وألا يميل الحكام بالرشا إلى الباطل. قلت: وهذا الذي لزم هؤلاء وأخذ عليهم به الميثاق في قول الحق لازم لنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم وكتاب ربنا ، على ما تقدم بيانه في " النساء ". ولا خلاف فيه في جميع الشرائع ، والحمد لله. الثانية: ودرسوا ما فيه أي قرءوه ، وهم قريبو عهد به. وقرأ أبو عبد الرحمن ( وادارسوا ما فيه) فأدغم التاء في الدال. قال ابن زيد: كان يأتيهم المحق برشوة فيخرجون له كتاب الله فيحكمون له به ، فإذا جاء المبطل أخذوا منه الرشوة وأخرجوا له كتابهم الذي كتبوه بأيديهم وحكموا له. وقال ابن عباس: ألا يقولوا على الله إلا الحق وقد [ ص: 280] قالوا الباطل في غفران ذنوبهم الذي يوجبونه ويقطعون به. فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة. وقال ابن زيد: يعني في الأحكام التي يحكمون بها; كما ذكرنا. وقال بعض العلماء: إن معنى ودرسوا ما فيه أي محوه بترك العمل به والفهم له; من قولك: درست الريح الآثار ، إذا محتها.
وكون تارك الصلاة كافراً هو ما عليه الجمهور من السلف الصالح، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( الفرق بين المؤمن والكافر ترك الصلاة)، وقال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، وذلك مذهب أحمد بن حنبل وقول للإمام الشافعي. وسواء فسرنا بضياعها تركها أو بالسهو عن أوقاتها وإغفالها، فبسبب ذلك حشرهم الله مع الذرية الضائعة الطالحة التي خلفت الأنبياء والرسل على غير ما يجب أن يخلفوا به من الطاعة لله والطاعة لرسله، والقيام بالعبادة كما أمر الله ورسله. فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة. فمن صلى الصلاة في غير أوقاتها فقد أهمل وسها وتهاون وتلاعب، وأما من تركها البتة فقد كفر، ويكون بذلك خَلْفَ سوء لسلف صالح من الأنبياء والمرسلين وورثتهم من العلماء الصالحين. ومن خصائص الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهؤلاء لم يبق عندهم ما يحصنهم ويردعهم ويبعدهم عن السوء والفحشاء. فعندما يتهاونون بالصلاة تركاً لها أو تركاً لأوقاتها فإنهم يتبعون الشهوات والمعاصي وشرب الخمور وأكل الربا وأكل السحت وظلم الناس والاعتداء على أعراضهم ظلماً وعدواناً وعلواً في الأرض وفساداً، فما كان تحصيناً وما كان سياجاً وحفاظاً على حياتهم الإسلامية وأعمالهم الدينية زالت عنهم بتركهم الصلاة، ولم يبق لهم ما يحصنهم ولا ما يحفظهم، فبسبب تركهم الصلاة وعدم القيام بها في أوقاتها اتبعوا الشهوات من فسق ودعارة وأكل للحرام وارتكاب للسوء بكل أنواعه.
﴿ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾؛ أي: المعاصي وشرب الخمر والزنا؛ أي: آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله. وقال مجاهد: هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة. ﴿ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ قال وهب: الغيُّ نهر في جهنم، بعيدٌ قَعْرُه، خبيثٌ طعمُه، وقال ابن عباس: الغي وادٍ في جهنم، وإن أودية جهنم لتستعيذ حرَّه أُعِدَّ للزاني المصرِّ عليه، ولشارب الخمر المدمن عليها، ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه، ولأهل العقوق ولشاهد الزور، ولامرأة أدخلت على زوجها ولدًا. إسلام ويب - تفسير الطبري - تفسير سورة مريم - القول في تأويل قوله تعالى "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة "- الجزء رقم18. وقال عطاء: "الغيُّ" وادٍ في جهنم يسيل قيحًا ودمًا. وقال كعب: هو وادٍ في جهنم أبعدها قعرًا، وأشدها حرًّا، فيه بئر تُسمَّى "الهيم"، كلما خبت جهنم، فتح الله تلك البئر فتستعر بها جهنم. أخبرنا محمد بن عبدالله بن أبي توبة، أخبرنا محمد بن أحمد الحارثي، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبدالله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبدالله الخلال، وأخبرنا عبدالله بن المبارك، عن هشيم بن بشير، أخبرنا زكريا بن أبي مريم الخزاعي، قال: سمِعت أبا أمامة الباهلي يقول: إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفًا من حَجَر يهوي أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشروات عظام سمان، فقال له مولى لعبدالرحمن بن خالد بن الوليد: هل تحت ذلك شيء يا أبا أمامة؟ قال: نعم، غي وآثام.
إن الإيمان بأن الرزق بيد الله وحده فرض علينا وهو جزء من العقيدة الإسلامية ومن ينكر ذلك فهو كافر استحق عذاب جهنم والعياذ بالله. ومن لم تكفه الآيات الكريمة والأحاديث ليعلم أن الرزق بيد الله وحده فلينظر إلى الأمثال التي ضربها الله في كتابه من مثل صاحب الجنتين الذي غرته جنتاه فظن أن الله عنه عاجز أو أن رزقه كان بفعله وذكائه وليس بيد الله. ولا يذهب بعيدا فلينظر حوله ويرى كيف أن الله يرزق فلانا رزقا وافرا ويقدر على غيره، ولربما من كان رزقه أكثر هو أقل ذكاء وأضعف حيلة ولكن الله أراد رزقته وحسب. ولينظر حوله ويرى كيف أن الله يقلب الأحوال بين عباده فيصبح الرجل غنيا ويمسي فقيرا. وكيف أنه يخرج من عائلة غنية وافرة الرزق من لا يجد قوت يومه. وغيرها الكثير الكثير من الأمثلة التي لا تحصى والتي تدل دلالة قاطعة أن الرزق بيد الله لا بيد غيره، وأنه وحده من يزرق ومن يقدر ولا دخل لذكاء ولا لعائلة ولا لشيء برزق الله. ولكن الله في الوقت نفسه فرض على المولود له السعي لكسب قوت عياله وجعل ذلك من واجباته تجاه أهله. {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} فالعمل لكسب العيش واجب والسعي على رزق العيال واجب.
آيات عن الرزق آيات عن الرزق بيد الله الرزق في القرآن
ولكن حذار عباد الله أن تخلطوا بين الأمرين، فتقولوا بما أنّ الله فرض علينا العمل لكسب العيش فالرزق إذاً لا يأتي بدون عمل، حذار عباد الله، فلا تخلطوا بين الأمرين، الرزق بيد الله وحده وهو آتيك. نعم الأمران مختلفان، فكما أوجب الله علينا الصلاة والصيام والجهاد وحمل الدعوة أوجب علينا السعي لكسب قوت اليوم، والرزق قد قدره الله لكل واحد منا من قبل أن يُخلق وهو ثابت لا يتغير فهو في علم الله، فاعلموا أن الله يرزق من يشاء ويقدر على من يشاء فأجملوا في الطلب. فلا يدفعنكم ضيق العيش وصعوبة الحال إلى معصية الله ونسيان أن الأمر بيده، فاتقوا الله في أعمالكم ولا تفكروا بعصيانه لأجل قوت يومكم.
جاءني بعد غياب ٍطويل ٍلم أعهده منه.. سألتُهُ، أولَ ما سألتُهُ، عن ســرّ هذا الغياب.. أجابني بأنه كان مشغولاً، ولا زالَ في طلبِ الرزق.. كانت أحوالُهُ، عندما فارَقَني منذ سنوات ثلاث، سيئة.. لكنها اليوم أكثر سوءاً... الرزق؟!!.. هل يُحِبُّ "الخِفِّيَّة" فعلاً؟!.. فكرت في أمر صاحبي هذا.. رجل ٌ من أذكى وأجلد من عرفت، ما باله على هذه الحال؟! (أفتح قوسـاً هنا لأسجــّـل: الأرزاق بيد الله، أنا مؤمن بهذا أيما إيمان، ولا تعارض بين هذا وإيماني أن كلاً ميسـرٌ لما خُلِقَ له، وأن الله، جلَّ وعلا، قـد أوجد الفروقَ الشخصيةَ بين عباده ليفضّـل بينهم في الرزق والله أعلم).. أعود لأتسـاءل: ما بالُ رجلٍ، له هذه المواصفات، يعجز عن تدبير أموره المعيشـية؟!.. أتجاوز أسئلةً كثيرةً طرحتُها عليه لأصل إلى سؤالٍ، ربما كان على علاقةٍ ما بموضوعنا هذا (علاقة لعلنا نبحثها لاحقاً): - أين أنت من الشعر؟! هل أحدثت منه شيئاً بعدنا؟! - أبداً.. لم أكتب حتى بيتاً واحداً.. - لماذا؟!.. ســألتُ.. - الإجابةُ ذاتُها: طلبُ الرزق. تركتُ صاحبي ونسيتُ الموضوع. لكنني، وبعد مدةٍ وقعتُ على ما يمكن أن يكون إجابةً لأسـئـلةٍ طرحتُها آنفاً.. جاء الشعر في وقته.. فهذا أبو العلاء المعري يحاول أن يجد مخرجاً وتعزيةً لكل فقيرٍ بليدٍ مُـعْـوِزٍ، ولو بالضحك على ذقنه: لا تطلبنّ بـآلـــــــــــــةٍ لك رتبــــــــــةً قلــــــــــمُ البليغ ِبغيـرِ حظٍّ مِـغْـزَلُ!