فسبحان الله العظيم. ما معنى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً}؟. وقد ذكر المفسرون سببين لإيراد هذا المثل إذ قال الحسن وقتادة "لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود، وقالوا ما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله الآية"، وعن ابن عباس وابن مسعود "لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين يعني قوله (مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً... ) قال المنافقون: الله أعلى و أجل من أن يضرب هذه الأمثال، فأنزل الله (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة... ). ويتضح من النصوص أن هذا المثل إنما جاء تقريباً وتوبيخاً لهؤلاء الذين يشككون في القرآن حينما يضرب الأمثال بالمخلوقات الصغيرة، ويترك المثل بالحيوانات الكبيرة كالجمل والحصان، وربما لم يعرف الناس ما لهذا المخلوق من أثر وعجيب صنع إلا في العصر الحديث، حيث اكتشف العلم دقيق صنع الله في هذا المخلوق العجيب بعد انتشار المخابر والمجاهر وعلم التشريح، والله سبحانه الخالق للصغير والكبير، وهو العالم بأسرار الخلق جميعاً، وحين ضرب المثل بالبعوض علمنا الآن قيمة المثل وأثره، والعبرة بالمثل لا بحجم الممثل به وأهل الإيمان هم دائماً أهل التسليم والتصديق لله ورسوله.
والثاني: فما فوقها: فما هو أكبر منها ؛ لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة. وهذا [ قول قتادة بن دعامة و] اختيار ابن جرير. [ ويؤيده ما رواه مسلم عن عائشة ، رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة].
لفظ أبي داود: "إن ربَّكم تباركَ وتعالى حييٌّ كريمٌ، يستحْيي من عبدِه إذا رفعَ يديه إليه، أن يردَّهما صِفْرًا". ولفظ أحمد: "إنَّ الله ليستحِي أن يبسُطَ العبدُ إليه يديه يسألُه فيهما خيرًا فيردَّهما خائبتَين". قال يزيد: أخبرنا رجلٌ في مجلس عمرو بن عبيد، أنه سمع أبا عثمان، يُحدِّث بهذا عن سلمان الفارسي، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، قال يزيد: سمَّوه لي قالوا: هو جعفر بن ميمون. قال عبد الله: قال أبي: يعني جعفر صاحبَ الأنماط. ترجمة جعفر بن ميمون ( [1]): اختلفوا في جعفر بن ميمون صاحبِ الأنماط، وهذه ترجمته مفصلة: أولا: من وثقه، أو تكلم فيه بخير: 1- عن يحيى بن معين رحمه الله في روايةٍ: صالح الحديث. 2- قال أبو حاتم رحمه الله: قال صالح. وقال الدارقطني رحمه الله: يُعتَبر به. 3- قال ابن عدي رحمه الله: ليس بكثير الرواية، وقد حدث عنه الثقاتُ مثل سعيد بن أبي عَروبة وجماعة من الثقات، ولم أرَ أحاديثه منكرة، وأرجو أنه لا بأس به، ويُكتَب حديثُه في الضعفاء. قلت: ويظهر لي والله أعلم أنه أراد أن لا بأس به في الشواهد والمتابعات، فيُكتَب حديثُه في الشواهد، أما احتجاجًا فلا. ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما بعوضة. 4- قال الحاكم رحمه الله في "المستدرك": من ثقات البصريين، حدث عنه يحيى بن سعيد، ولا يحدث يحيى إلا عن الثقات.
تخريج حديث: (( إن ربكم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً)) وذكر من صححه الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد: فقد أخرجه أحمد (23715) وأبو داود (1488) واللفظ له، والترمذي (3556) وابن ماجه (3865) وابن حبان (876) والحاكم (1830و1832) وغيرهم عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)). وقد قال بثبوت الحديث هؤلاء: 1- قال الإمام الترمذي في "سننه "(3556): هذا حديث حسن غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه. اهـ وقال الإمام ابن تيمية – رحمه الله – في كتابه "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية"(4/502): رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: "حديث حسن غريب، قال: ورواه بعضهم ولم يرفعه". وهذا لا يضر. اهـ 2- قال الحافظ أبو عبد الله الحاكم – رحمه الله – في "المستدرك"(1830): هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. ان الله لا يستحيي. اهـ 3- ذكره الحافظ ابن حبان البستي – رحمه الله – في "صحيحه"(876). 4- قال الإمام البغوي – رحمه الله – في كتابه "شرح السنة"(1385): هذا حديث حسن غريب.
رواه البخاري (4681). يعني: أنهم كانوا يكرهون أَنْ يَقْضُوا الْحَاجَة فِي الْخَلَاء وَهُمْ عُرَاة. كان الصدِّيق يقول: استحيوا من الله ؛ فإني أذهب إلى الغائط فأظل متقنعا بثوبي حياءً من ربي عز وجل!! وكان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم لا يقيم صلبه حياء من الله عز وجل. " فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 52). ولكن هذا قدر زائد ، ومكرُمة عالية ، لا يؤمر بها كل الناس ، والإخلال بمثل هذا المقام ، لا يخل بأدب ولا دين ، مادام المرء قد حفظ عورته ، كما أمره نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأعطى الحياء حقه ؛ فلم يقدم على قبيح في الشرع ، ولا مرذول في الأدب والأخلاق. ان الله لا يستحي ان يضرب. وللفائدة: ففي المسألة حديث مشهور ، لكنه ضعيف ، ينهى عن التعري عند قضاء الحاجة ، وعند الجماع ، وهو: ( إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّيَ ؛ فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى أَهْلِهِ ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ) رواه الترمذي ( 2800) ، وفيه ليث بن أبي سليم ، وكان قد اختلط ، وضعفه الألباني في " إرواء الغليل " ( 64). وانظر: جواب السؤال رقم ( 45514) هل يجوز للزوجين التجرد من الثياب وقت الجماع بدون أي غطاء ؟.
الحمد لله. يضرب مثلاً ما بعوضة. لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بذلك ، وما روي فيه عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه فهو ضعيف لا يصح ، وهذا بيان ذلك: عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تبارك وتعالى: إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام فتشيب لحية عبدي ورأس أمتي في الإسلام أعذبهما في النار بعد ذلك) قال الشيخ الألباني رحمه الله: " ضعيف جداً ، أخرجه أبو يعلى في ( مسنده) ( 2764) ، وابن حبان في ( الضعفاء) (1/168) ، وابن عدي في ( الكامل) ( 1 / 349 - 350) من طريق سويد بن عبد العزيز ، عن نوح بن ذكوان ، عن أخيه أيوب بن ذكوان ، عن الحسن ، عن أنس مرفوعاً. وقال ابن حبان: ( منكر باطل ، لا أصل له) قلت – أي الشيخ الألباني -: وهو مسلسل بثلاثة ضعفاء على نسق واحد ، آخرهم أشدهم ضعفاً ، وهو سويد. وقال ابن عدي: ( وأيوب بن ذكوان عامة ما يرويه لا يتابع عليه). وقال الهيثمي في ( المجمع) ( 5 / 159): ( رواه أبو يعلى ، وفيه نوح بن ذكوان وغيره من الضعفاء) ولم يتفرد به ؛ فقد رواه يحيى بن خذام قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن زياد أبو سلمة الأنصاري قال: ثنا مالك بن دينار عن أنس به نحوه.
7/354- وعن أَبي موسى قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ والجَافي عَنْهُ، وإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ حديثٌ حسنٌ، رواه أَبُو داود. 8/355- وعن عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ، عن أَبيهِ، عن جَدِّه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا حديثٌ صحيحٌ، رواه أَبُو داود، والترمذي، وَقالَ الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح. وفي رواية أبي داود: حَقَّ كَبِيرِنَا. من أنا حتى يستحى الله منه؟. 9/356- وعن مَيْمُون بنِ أَبي شَبِيبٍ رحمه اللَّهُ: أَنَّ عَائشَةَ رَضي اللَّه عنها مَرَّ بِها سَائِلٌ، فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً، وَمرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابٌ وهَيْئَةٌ، فَأَقْعَدَتْهُ، فَأَكَلَ، فَقِيلَ لَهَا في ذَلِكَ! فقَالتْ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ رواه أبو داود، لكِنْ قال: مَيْمُونُ لَمْ يُدْرِك عائِشَةَ. وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ في أَوَّلِ "صَحِيحهِ" تَعْلِيقًا فقال: وَذُكِرَ عَنْ عائِشَةَ رضي اللَّه عنها قالت: أَمرنا رسولُ اللَّه ﷺ أَنْ نُنْزِل النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ.