- أن في مدحه والثناء عليه مصلحة للعباد في معاشهم ومعادهم ، قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث المتقدم: " حَقِيقَةُ هَذَا مَصْلَحَةٍ لِلْعِبَادِ ، لِأَنَّهُمْ يُثْنُونَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيُثِيبُهُمْ فَيَنْتَفِعُونَ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ، لَا يَنْفَعُهُ مَدْحُهُمْ ، وَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُهُمْ ذَلِكَ ". انتهى من "شرح النووي على مسلم" (17/ 77). وقال المباركفوري رحمه الله في "تحفة الأحوذي" (9/ 357): " أحب المدح لِيُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْتَفِعَ الْمُكَلَّفُ ، لَا لِيَنْتَفِعَ هُوَ بِالْمَدْحِ ؛ وَنَحْنُ نُحِبُّ الْمَدْحَ لِنَنْتَفِعَ وَيَرْتَفِعَ قَدْرُنَا فِي قَوْمِنَا ؛ فَظَهَرَ مِنْ غَلَطِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُمْ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْمَدْحَ ، فَكَيْفَ لَا نُحِبُّهُ نَحْنُ ؟ " انتهى بمعناه. مدح الله سبحانه - ملتقى الخطباء. - ولأن في مدحه التعريف بحق قدره ، ولولا ما أمرنا به من ذلك ، وعرفنا عليه: لما أدركنا ما يليق بعظمته وجلاله ، من المدح والثناء الحسن ، ولما تعرفنا على ربنا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، فإن معرفة ذلك هي أساس مدحه والثناء عليه ، وهو أساس معرفة العبد بربه.
الموج سبحه، والطير كبره، والوحش مجده، والبحر ناجاه، والنمل تحت الصخور الصم قدسه، والنحل يهتف شكرانًا لنعماه، والناس يعصونه جهرًا فيسترهم، والعبد ينسى وربي ليس ينساه. فسبحانه من عظيم، عز جاره، وجل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، ولا إله غيره. فاللهم املأ قلوبنا بمحبتك، ونفوسنا بعظمتك، وأرواحنا بهيبتك، إنك أنت الأعز الأعظم، والجواد الأكرم. أما بعد: فإننا -أيها المسلمون- مهما بالغنا في مدح الله تعالى لن نؤدي شُكره، وإن مدحنا له وتعظيمه هو من فضله وإحسانه، فهو المُولي والمنعم، من مدحه فإنما زكى نفسه وأكرم مكانته، ومن أثنى عليه فإنما اعترف بالجميل وأقر بالإحسان، والله لو كان البحر محابروالسموات السبع والأرضون دفاتر فلن تفي في تدوين فضلهوأفضاله ولن تبلغ في بيان عظمته وبديع فعاله، ولكان العباد فيما يَسْتَحقُ الرب سبحانه مقَصِّرِين، وفيما يجب له منقطعين، وبالعجز عن القيام بشُكرهِ معترفين. لا يقدرُ إنسان ولا مخلوق أن يحصي الثناء على الله بعظمته. مَدْح النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم - موقع مقالات إسلام ويب. لكن المعظم لله سبحانه يقوده ذلك إلى احتقار النفس ومعرفة قدرها، ومن تمكَّن وَقارُ اللهوعظمَته وجلاله من قلبه لم يجترِئ على معاصيه فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد وفـــــي كــــل شـــــيء لــــه آيـــــة تـــــدل علـــــى أنه واحــــــد أيها المسلمون: الواقف بغير بابالله عظيمٌ هوانه، والمؤمل غير فضل الله خائبةٌ آماله، والعامل لغيرالله ضائعةٌ أعماله.
المدح والثناء من الأمور التي تُسَرُّ بها النفوس، وتحفزها على زيادة العطاء، فيحتاجه الأب في بيته، والداعية مع طلابه، والرئيس مع مرؤوسيه، فيُثني على من يستحق الثناء، ويُشيد بعمله تحفيزًا له على الزيادة والاستمرار فيه، وحثًّا لغيره لينافسه في البذل وحسن العمل، ولذلك كان المدح وسيلة تربوية اتبعها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع صحابته ـ رضوان الله عليهم ـ. والمدح في سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منه ما هو محمود مباح، ومنه ما هو مذموم منهي عنه، والأمثلة والصور على ذلك من سيرته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة، منها: المدح المحمود: من المدح المحمود: مدح الشخص بما فيه قبل توجيهه ونصحه، فيقدم الناصح بين يدي نصيحته الثناء على المنصوح، وذكر بعض الخير الذي فيه، ثم يحفزه للكمال بفعل بعض المأمورات أو ترك بعض المنهيات، فهذا مظنَّة الاستجابة للنصيحة، فقبل أن يوجه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى قيام الليل قال: ( نِعم الرجلُ عبد الله، لو كان يصلي من الليل، فكان بعدُ لا ينام من الليل إلا قليلاً) رواه البخاري. ومنه ما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقف يوماً بين أصحابه، فقال: ( من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، قال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من هذه الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحدٌ من تلك الأبواب كلها؟، فقال - صلى الله عليه وسلم -: نعم وأرجو أن تكون منهم) رواه البخاري.
ومعنى ( لا تطروني) أي: لا تجاوزوا في مدحي. وعن الربيع بنت معوذ ـ رضي الله عنها ـ قالت دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر، حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين) أي: من الشِعر الذي لا مغالاة فيه رواه البخاري. وفي هذا براءة نبوية من كثير مما يصنعه ويقوله عنه بعض المسلمين، كادعاء بعضهم أنه - صلى الله عليه وسلم - يعرف الغيب، أو أنه يقدر على دفع الضر أو جلب النفع لهم، وغير ذلك مما لم يثبت له ولا عنه - صلى الله عليه وسلم -. مدح الله والثناء عليه القضاء. قال ابن حجر: " وفي هذا الحديث جواز مدح الرجل في وجهه ما لم يخرج إلى ما ليس فيه.. وإنما أنكر عليها ما ذكر من الإطراء حين أطلق علم الغيب له، وهو صفة تختص بالله تعالى ". ومن صور المدح المذموم: مدح من يُخْشى عليه الفتنة، فيعتقد فضله، وربما تطرق لقلبه الكِبْر والرياء، وأن له حقًّا على الناس وقدرًا، وربما ظن أنه فاق غيره من السابقين واللاحقين في الفضل، فاتكل على ذلك وترك العمل أو قصَّر فيه، ويحمل عليه حديث أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: ( سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يثني على رجل ويطريه في المدحة، فقال: أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل) رواه البخاري.
ـ { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}(النجم:2): زكَّى الله عز وجل نبيه في عقله وأثنى عليه فقال: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}، قال ابن كثير: "الغي ضد الرشد أي ما صار غاويا. وقيل: أي ما تكلم بالباطل"، وقال: "معلوم لكل ذي لُب (عقل سليم) أن محمداً صلى الله تعالى عليه وسلم من أعقل خلق الله تعالي، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق في نفس الأمر". وقال القاضي عياض: "ومن تأمل تدبيره صلى الله عليه وسلم أمْر بواطن الخلق وظواهرهم، وسياسة الخاصة والعامة، مع عجيب شمائله، وبديع سيره، فضلا عما أفاضه من العلم، وقرره من الشرع، دون تعلّم سبق، ولا ممارسة تقدمت، ولا مطالعة للكتب، لم يمتر في رجحان عقله، وثقوب فهمه لأول وهلة، ومما يتفرع عن العقل ثقوب الرّأي وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب، ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة والتدبير، واقتفاء الفضائل، واجتناب الرذائل، وقد بلغ صلى الله عليه وسلم من ذلك الغاية التي لم يبلغها بَشر سواه صلى الله عليه وسلم". ـ { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}(النجم: 4:3)، قال السعدي: "أي: ليس نطقه صادراً عن هوى نفسه، { إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} أي: لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى، في نفسه وفي غيره، ودل هذا على أن السُنة وحي من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم".. وكما زكَّى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم في نطقه وكلامه، زكاه وأثنى عليه في بصره وفؤاده وصدره، فقال سبحانه: { مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}(النجم: 17)، وقال: { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}(النجم:11)، وقال: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}(الشرح:1).