الجمعة 21 صفر 1439هـ - 10 نوفمبر 2017 م - 19 برج العقرب العالم الآن تجتاحه ظاهرة التشويه، تشويه كل شيء والتشكيك في كل شيء، وهذا أمر معهود يحدث أثناء الحروب والدمار، والدارس لكل الفنون والآداب يعرف كيف ظهرت المدرسة التعبيرية والدادية وجماعة القنطرة حيث عمدوا إلى تشويه كل شيء.. لم يكن يعرف الخلق أن هناك زلازل تُحمد عقباها، وأنها يمكن أن تطهر الأرض من كل الأوبئة والأمراض والفساد، لم يذهب لخلدنا وأجدادنا ومن قبلنا أجدادنا أن الزلازل حمى تنفض أديم الأرض، فينفض كل ما بداخل الجسد كما هو معروف عن داء الحمى النافضة المطهرة للجسد. الأرض هبة الله لخلقه، استجابت لندائه جل وعلا في جنوب المملكة منذ أيام، تهدهدت قليلاً فأثارت الرعب في قلوب البشر، انتفضت مرتين الهزة الأولى أكثر من أربع والمرة الثانية بمقدار ثلاث ونصف بمقياس ريختر. نعم اهتزت قلوبنا وشعرنا وبشرنا وكل ما فينا خوفاً من الله وتذكر اليوم الرهيب بين يديه والرعب من الموت والدمار على أنفسنا وعلى الأحبة قبل كل شيء. لمَّا كانَ الشيطانُ يخافُ الله فلماذا إذاً عَصاه؟ – التصوف 24/7. فمن منا يعشق الزلازل ومن منا يفرح بها؟! الحقيقة أنه حدث أمر غريب يعكس كل شيء وكل ما ألفه خلق الله، لم يحدث من قبل في أي مكان أو قل في أي زمان، هذا الأمر الغريب العجيب والجديد على الطبيعة البشرية وحتى على أديم الأرض نفسها أن يفرح الناس بالزلزال الكبير الذي أتى كالنهر الكبير حين يفيض على القيعان فترقص الأرض منتشية بالسقيا!
[ ص: 375] فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها فلا يخاف عقباها. أي: صاح عليهم ربهم صيحة غضب. والمراد بهذه الدمدمة صوت الصاعقة والرجفة التي أهلكوا بها ، قال تعالى: ( فأخذتهم الصيحة) وإسناد ذلك إلى الله مجاز عقلي; لأن الله هو خالق الصيحة وكيفياتها. فوزن ( دمدم) فعلل ، وقال أكثر المفسرين: دمدم عليهم: أطبق عليهم الأرض ، يقال: دمم عليه القبر ، إذا أطبقه ودمدم مكرر دمم للمبالغة مثل كبكب ، وعليه فوزن دمدم: فعفل. وفرع على ( دمدم عليهم) ( فسواها) أي: فاستووا في إصابتها لهم ، فضمير النصب عائد إلى الدمدمة المأخوذة من ( دمدم عليهم). تفسير قوله تعالى: ولا يخاف عقباها. ومن فسروا ( دمدم) بمعنى: أطبق عليهم الأرض قالوا: معنى ( سواها): جعل الأرض مستوية عليهم لا تظهر فيها أجسادهم ولا بلادهم ، وجعلوا ضمير المؤنث عائدا إلى الأرض المفهومة من فعل ( دمدم) فيكون كقوله تعالى: ( لو تسوى بهم الأرض). وبين ( فسواها) هنا وقوله: ( وما سواها) قبله محسن الجناس التام. والعقبى: ما يحصل عقب فعل من الأفعال من تبعة لفاعله أو مثوبة ، ولما كان المذكور عقابا وغلبة وكان العرف أن المغلوب يكنى في نفسه الأخذ بالثأر من غالبه فلا يهدأ له بال حتى يثأر لنفسه ، ولذلك يقولون: الثار المنيم ، أي: الذي يزيل النوم عن صاحبه ، فكان الذي يغلب غيره يتقي حذرا من أن يتمكن مغلوبه من الثأر ، أخبر الله أنه الغالب الذي لا يقدر مغلوبه على أخذ الثأر منه ، وهذا كناية عن تمكن الله من عقاب المشركين وأن تأخير العذاب عنهم إمهال لهم وليس عن عجز ، فجملة ( فلا يخاف عقباها) تذييل للكلام وإيذان بالختام.
وبذلك يتبيَّنُ لنا أيضاً الخطأُ المنطقي الذي ينطوي عليه السؤال "لما كان الشيطانُ يخافُ الله فلماذا إذاً عصاه؟".
واختلفت القرّاء في إمالة ما كان من ذوات الواو في هذه السورة وغيرها، كقوله: وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا وَمَا طَحَاهَا ونحو ذلك، فكان يفتح ذلك كلَّه عامة قرّاء الكوفة، ويُمِيلون ما كان من ذوات الياء، غير عاصم والكسائي، فإن عاصما كان يفتح جميعَ ذلك ما كان منه من ذوات الواو وذوات الياء، لا يُضْجِعُ منه شيئا. وكان الكسائي يكسر ذلك كلَّه. وكان أبو عمرو ينظر إلى اتساق رءوس الآي، فإن كانت متسقة على شيء واحد أمال جميعها، وأما عامة قرّاء المدينة فإنهم لا يميلون شيئا من ذلك الإمالة الشديدة، ولا يفتحونه الفتح الشديد، ولكن بين ذلك؛ وأفصح ذلك وأحسنه أن ينظر إلى ابتداء السورة، فإن كانت رءوسها بالياء أجري جميعها بالإمالة غير الفاحشة، وإن كانت رءوسها بالواو فتحت وجرى جميعها بالفتح غير الفاحش، وإذا انفرد نوع من ذلك في موضع أميل ذوات الياء الإمالة المعتدلة، وفتح ذوات الواو الفتح المتوسط، وإن أُميلت هذه، وفُتحت هذه لم يكن لحنا، غير أن الفصيح من الكلام هو الذي وصفنا صفته. آخر تفسير سورة والشمس وضحاها