هذا وقد جرت سنة الله التي لا تبديل لها أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يُسخط عليه من آثر رضاه، ويخذُله من جهته، ويجعل محنته على يديه، فيعود حامدُهُ ذامًّا، ومن آثر مرضاته ساخطًا، فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل، وهذا أعجز الخلقِ وأحمقهم. قال الشافعي رحمه الله: " رضا الناس غايةٌ لا تدرك فعليك بما فيه صلاحُ نفسك فالزمهُ"، ومعلومٌ أن لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضا ربها ومولاها على غيره، ولقد أحسن من قال: فليتك تحلُو والحياةُ مريرَةٌ...... حديث عن الايثار. وليتك ترضى والأنامُ غِضَابُ وليت الذي بيني وبينك عامرٌ...... وبيني وبين العالمين خرابُ إذا صحَّ منك الودُّ فالكّلُّ هينٌ...... وكل الذي فوق التراب تراب الثالثة: أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنه هو الذي تفرد بالإيثار لا أنت، فكأنك سلمت الإيثار إليه، فإذا آثرت غيرك بشيء؛ فإن الذي آثره هو الحق لا أنت فهو المؤثر على الحقيقة، إذ هو المُعطي حقيقةً.
ذات صلة تعبير عن التواضع كلام عن التواضع تعريف التواضع يعرَّف التواضع في اللغةِ على أنَّه التذللَ والخشوعَ، أمَّا في الاصطلاحِ الشرعيِّ؛ فهو تركِ المباهاة وتجنب المفاخرةِ بالجاهِ والمالِ، والتحرزِ من الكبرِ، وكراهةُ التعظيمِ والزيادةِ في التكريمِ، والرضا بمنزلةٍ وسطيةٍ بينَ الكبرِ والضعةِ، فلا يرى الإنسانُ نفسه أفضلَ من غيره، ولا يقبل أن يضعَ نفسه بمكانٍ يُزدرى فيه فيضيع حقه، [١] وإنَّ للتواضع عددًا لا بأس به من المرادفات، مثل: التبتُّل، والخشوعِ، والتذلل، والخضوعِ، والانقيادِ، والقنوتِ، والإذعانِ، والاستكانِ. [٢] الحث على التواضع في الإسلام حثَّ الشرعُ الإسلاميّ الحنيف على الاتصافِ بالأخلاقِ الحسنةِ، ومن جملةِ هذه الأخلاق خلقُ التواضع؛ حيث إنَّ النَّاس كلهم من آدم، ولا فضل لأحدٍ على غيره من البشر إلَّا بالتقوى، ومن هذا المنطلق وجبَ التواضعُ لجميعِ خلقِ الله من المؤمنين، حيث قال الله -تعالى-: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ). [٣] [٤] وقد وصف الله -عزَّ وجلَّ- محبته للمتواضعينَ من خلقه، بل حتَّى أنَّه قدَّم محبته لهم على محبتهم له، [٥] وذلك في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).
إنَّ التواضعَ سبباً من أسباب قرب العبدِ من ربه -عزَّ وجلَّ- وقربه كذلك من عباد الله. إنَّ التواضع سببٌ من أسباب سعادةِ العبدِ في دنياه وآخرته. إنَّ التواضعَ سببٌ من أسباب الأمنِ من عذاب الله -عزَّ وجلَّ- ومن الفزعِ الأكبرِ كذلك. إنَّ التواضعَ دليلٌ على اكتساب المسلمِ الأخلاقَ الحسنةِ، وكذلك دليلٌ على حسنِ خاتمته. إنَّ التواضعَ سببٌ من أسباب حصول البركةِ والنصرِ في مال العبدِ وفي عمره.