وفي المغني: ولو كانت زكاة لخص بها، أهلها، ولم يرده على واجده، ولأنه يجب على الذمي، والزكاة لا تجب عليه. زكاة الخارج من البحر الجمهور: على أنه لا تجب الزكاة في كل ما يخرج من البحر، من لؤلؤ، ومرجان، وزبرجد، وعنبر، وسمك، وغيره إلا في إحدى الروايتين عن أحمد: إذا بلغ ما يخرج من ذلك نصابا، ففيه الزكاة. ووافقه أبو يوسف، في اللؤلؤ، والعنبر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في العنبر زكاة، وإنما هو شيء دسره البحر. وقال جابر: ليس في العنبر زكاة، إنما هو غنيمة لمن أخذه.
أعفى المسلمون منذ العصور الأولى، دواب الركوب، ودور السكنى، وآلات المحترفين، وأثاث المنازل، وغيرها من وجوب الزكاة، لأنها لا تعد مالاً ناميًا بالفعل، ولا بالقابلية ولعل أوسع المذاهب في تطبيق شرط النماء هو مذهب مالك، فإنه لا يوجب في الدَيْن -الذي للإنسان على غيره- زكاة لما مر من الأعوام وإن كان مرجوًا حتى يقبضه، فإذا قبضه زكَّاه لعام واحد، كالمال المغصوب والمدفون بصحراء أو عمران ضلَّ صاحبه عنه، والمال الذي ضاع أو سقط من صاحبه، فكله لا يزكَّى إلا إذا عاد لربه فيزكِّيه لسنة واحدة. وهذا عام في كل الديون، لا يستثنى منها إلا الديون المرجوة للتاجر المدير (الذي يشتري السلع ويبيعها بالسعر الحاضر) فإنه يحسب ديونه التجارية خاصة مع نقوده وسلعه ويزكيها كل عام (الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه: 1/457). وحُجَّة المالكية في عدم زكاة الدين: أنه – وإن كان على مِلْك صاحبه – مال غير نام، فلا تتعلق به الزكاة، لأنها إنما تجب في المال النامي. وكذلك ذهب مالك إلى أن التاجر المحتكر (ويعني به الذي يشتري السلعة ويتربص بها غلاء الأسعار فيبيعها كالذين يشترون أراضي البناء ونحوها منتظرين غلاءها) لا تجب عليه الزكاة في قيمة سلعه كل عام كالتاجر المدير، وكما هو مذهب الجمهور.
7- أنها سبب لرضا الرب، ونزول الخيرات، وتكفير الخطايا، وغيرها. ب- على من تجب الزكاة (شروط وجوبها): تجب الزكاة على من توافرت فيه الشروط الآتية: 1- الإسلام: فلا تجب الزكاة على الكافر؛ لأنها عبادة مالية يتقرب بها المسلم إلى الله، والكافر لا تقبل منه العبادة حتى يدخل في الإسلام، لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54] فإذا كانت لا تقبل منهم فلا فائدة في إلزامهم بها، ولمفهوم قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المسلمين)، لكنه مع ذلك محاسب عليها، لأنه مخاطب بفروع الشريعة على الصحيح. 2- الحرية: فلا تجب الزكاة على العبد والمُكَاتَب؛ لأن العبد لا يملك شيئاً، والمكاتب ملكه ضعيف، وأن العبد وما في يده ملك لسيده، فتجب زكاته عليه. 3- ملك النصاب ملكاً تاماً مستقراً: وكونه فاضلاً عن الحاجات الضرورية التي لا غنى للمرء عنها، كالمطعم، والملبس، والمسكن؛ لأن الزكاة تجب مواساة للفقراء، فوجب أن يعتبر ملك النصاب الذي يحصل به الغنى المعتبر، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمس أواق صدقة».
وأما الذين يتاجرون بالتقسيط، كتقسيط السيارات أو غيرها من الأثاث، فإنه إذا حال الحول عليهم ينظرون إلى ما عندهم من سلع، وما لهم من أموال في ذمم الناس، وما تجمع من أموال في المصارف، يحسبون هذا كله ويخرجون ربع العشر، إلا إذا كان المال الذي في ذمم الناس على معسر أو مماطل فإنه لا يجب عليه زكاته إلا مرة واحدة. عباد الله! وأما من له أسهم في بعض الشركات، فإن كانت أسهم الشركة محرمة أو مختلطة، فيجب عليه أن يتخلص منها فوراً ببيعها، ثم بعد ذلك ينظر قدر المحرم، فلا تجب فيه الزكاة؛ لما سلف أن الأموال المحرمة لا زكاة فيها. وأما الربح المباح فيخرج زكاته، وأما إن كانت أسهمه مباحة، فالمساهم لا يخلو من ثلاث حالات: الحالة الأولى: المساهم المستثمر، وهو الذي اشترى الأسهم من أجل الأرباح، فهذا يجب عليه أن يزكي أرباحه، فإذا قبض الربح فإنه يجب عليه أن يزكي ربع عشر الربح. وأما بالنسبة لأصل الأموال، فإن الدولة في بلدنا هذا تأخذ الزكاة من المصارف، لكن على المسلم أن يحتاط وأن يخرج شيئاً من الزكاة؛ لأن الدولة قد لا تستغرق جميع الزكاة. أما القسم الثاني: فهو المساهم المضارب، وهو الذي يضارب بالأسهم، فهذا يجب عليه أن ينظر إلى قيمة أسهمه السوقية، أي: ما تساويه هذه الأسهم عند إغلاق السوق عند حولان الحول، فيخرج ربع العشر، وما دامت الدولة تخرج الزكاة أيضاً، فإنه يخصم ما أخرجته الدولة من زكاة، ويخرج الزائد.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله». ولقول أبي بكر الصديق: (لو منعوني عَنَاقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليها). والعَنَاقُ: الأنثى من ولد المعز، ما لم تستكمل سنة.