ذكاء الأستاذ الإمام في الحفاظ على محمد رشيد رضا طلب الخديو عباس حلمي 1874- 1944 من الأستاذ الإمام عبر صديقهما المشترك الشيخ محمد شاكر 1866- 1939 أن يقصي عنه محمد رشيد رضا، فقال الأستاذ الإمام للشيخ شاكر قولته المشهورة: "كيف أرضى بإبعاد صاحب المنار عني، وهو ترجمان أفكاري"، وقال له ما يمكن تلخيصه في قوله: "إن الله سبحانه وتعالى بعث لي بهذا الشاب ليكون مدداً لحياتي ومزيداً من عمري، إن في نفسي أموراً كثيرة أريد أن أقولها وأكتبها، وهو يقوم ببيانها كما أعتقد وأريد، فهو قد أنشأ لي أحباباً وأوجد لي تلاميذ وأصحابا".
كان الشيخ رشيد رضا أكبر تلامذة الأستاذ الإمام محمد عبده ، وخليفته من بعده، حمل راية الإصلاح والتجديد، وبعث في الأمة روحًا جديدة، تُحرِّك الساكن، وتنبه الغافل، لا يجد وسيلة من وسائل التبليغ والدعوة إلا اتخذها منبرًا لأفكاره ودعوته ما دامت تحقق الغرض وتوصل إلى الهدف. وكان (رحمه الله) متعدد الجوانب والمواهب، فكان مفكرًا إسلاميًا غيورًا على دينه، وصحفيًا نابهًا ينشئ مجلة المنار ذات الأثر العميق في الفكر الإسلامي، وكاتبًا بليغًا في كثير من الصفح، ومفسرًا نابغًا، ومحدثًا متقنًا في طليعة محدثي العصر، وأديبًا لغويًا، وخطيبًا مفوهًا تهتز له أعواد المنابر، وسياسيًا يشغل نفسه بهموم أمته وقضاياه، ومربيًا ومعلمًا يروم الإصلاح ويبغي التقدم لأمة. وخلاصة القول: إنه كان واحدًا من رواد الإصلاح الإسلامي الذين بزغوا في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وعملوا على النهوض بأمتهم؛ حتى تستعيد مجدها الغابر، وقوتها الفتية على هدى من الإسلام، وبصر بمنجزات العصر. المولد والنشأة في قرية "القلمون" كان مولد "محمد رشيد بن علي رضا" في (27 من جمادى الأولى 1282هـ = 23من سبتمبر 1865م)، وهي قرية تقع على شاطئ البحر المتوسط من جبل لبنان، وتبعد عن طرابلس الشام بنحو ثلاثة أميال، وهو ينتمي إلى أسرة شريفة من العترة النبوية الشريفة، حيث يتصل نسبها بآل "الحسين بن علي" (رضي الله عنها).