وقول الله في "براءة": ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ، غير ناف حكمه حكم قوله. ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ؛ لأن قوله: ( وإن جنحوا للسلم) ، إنما عني به بنو قريظة ، وكانوا يهودا أهل كتاب ، وقد أذن الله - جل ثناؤه - للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحرب على أخذ الجزية منهم. "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها".. نص كلمة السيسي في القمة العر | مصراوى. وأما قوله: ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) فإنما عني به مشركو العرب من عبدة الأوثان ، الذين لا يجوز قبول الجزية منهم ، فليس في إحدى [ ص: 43] الآيتين نفي حكم الأخرى ، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه. 16251 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: ( وإن جنحوا للسلم) ، قال: قريظة. وأما قوله: ( وتوكل على الله) ، يقول: فوض إلى الله ، يا محمد ، أمرك ، واستكفه ، واثقا به أنه يكفيك كالذي: - 16252 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق: ( وتوكل على الله) ، إن الله كافيك. وقوله: ( إنه هو السميع العليم) ، يعني بذلك: إن الله الذي تتوكل عليه ، "سميع" ، لما تقول أنت ومن تسالمه وتتاركه الحرب من أعداء الله وأعدائك عند عقد السلم بينك وبينه ، وما يشترط كل فريق منكم على صاحبه من الشروط ، "العليم" ، بما يضمره كل فريق منكم للفريق الآخر من الوفاء بما عاقده عليه ، ومن المضمر ذلك منكم في قلبه ، والمنطوي على خلافه لصاحبه.
قوله: (فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) أي: أجبهم إلى ما طلبوا متوكلا على ربك، فإن في ذلك فوائد كثيرة: منها: (1) أن طلب العافية مطلوب كل وقت، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك، كان أولى لإجابتهم. ومنها: (2) أن في ذلك إجماماً لقواكم، واستعدادا منكم لقتالهم في وقت آخر، إن احتيج لذلك. ومنها: (3) أنكم إذا أصلحتم وأمن بعضكم بعضا، وتمكن كل من معرفة ما عليه الآخر، فإن الإسلام يُعلو ولا يعلى عليه، فكل من له عقل وبصيرة إذا كان معه إنصاف فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان، لحسنه في أوامره ونواهيه، وحسنه في معاملته للخلق والعدل فيهم، وأنه لا جور فيه ولا ظلم بوجه، فحينئذ يكثر الراغبون فيه والمتبعون له، فصار هذا السلم عونا للمسلمين على الكافرين. ولا يخاف من السلم إلا خصلة واحدة، وهي أن يكون الكفار قصدهم بذلك خدع المسلمين، وانتهاز الفرصة فيهم، فأخبرهم اللّه أنه حسبهم وكافيهم خداعهم، وأن ذلك يعود عليهم ضرره، فقال: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ) أي: كافيك ما يؤذيك، وهو القائم بمصالحك ومهماتك، فقد سبق لك من كفايته لك ونصره ما يطمئن به قلبك. انتهى كلامه. وإن جنحوا للسلم فاجنح لها. والله أسأل أن يوفق جميع المسلمين إلى ما فيه الخير والصلاح، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
« وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ » تلاوة مذهلة بصوت الشيخ محمود خليل الحُصَري رحمه الله HD - YouTube
جوانح: موائل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
تفسير القرآن الكريم