المواطن - واس يستعيد المسلمون في السابع عشر من رمضان كل عام, ذكرى خالدة, يستحضرون فيها وقوع غزوة بدر الكبرى التي وقعت في السنة الثانية من الهجرة النبوية, وشكّلت أحد أبرز محطات مسيرة الدعوة إلى دين الله جل وعلا, وبناء ركائز دولة الإسلام في مهدها, وشهدت نصراً مؤزراً تحقق للإسلام والمسلمين. أهمية غزوة بدر الكبرى وحملت غزوة بدر دلائل النبوّة, ونصر الله لرسوله عليه الصلاة والسلام, وأوليائه, وأثر الدعاء والاستغاثة والاستعانة بالله جل وعلا, والتضرّع والابتهال إليه وحده عند الشدائد والمحن, فقد استجاب الله تعالى لدعاء رسوله صلى الله عليه وسلم, عندما رأى جمع المشركين الذين جاءوا يوم بدر لمحاربته, وقتال المسلمين وإيذائهم, فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلّ َفي ذلك قوله سبحانه: "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ". وبدأت موقعة بدر الكبرى حينما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في 314 من أًصحابه لاعتراض قافلة لقريش, آتية من الشام يقودها أبو سفيان, وحين علمت قريش بخروج المسلمين لمواجهة قافلتهم, خرجوا من مكة في عدد كبير يتجاوز ألف رجل يتقدّمهم صناديد قريش وكبارهم, لمواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ولإنقاذ تجارتهم وأموالهم.
نتائج الغزوة انتصر المسلمون في غزوة بدر، وخسرت قريش خسارةً فادحةً، وذهبت هيبتها بعد أن كانت تحتال على القبائل بقوّتها ومنَعَتها، فقد قُتلت رموز قريش وأهمّ قادتها البارزين، وهم: أبو جهل عمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وأميّة بن خلف، كما أسر المسلمون ما يقارب سبعون رجلاً من المشركين، بعضهم افتدوا بالمال، والبعض الآخر بتعليم المسلمين القراءة والكتابة، أمّا بعض الأسرى الفقراء فقد عُفي عنهم لأنّه ليس لديهم ما يفتدون أنفسهم به، وتشتّت باقي جيش المشركين وعادوا جماعاتٍ إلى مكّة مهزومين، أما بالنّسبة إلى المسلمين فقد استُشهد منهم أربعة عشر رجلاً، وغنموا غنائم كثيرة.
تعريف بغزوة بدر الكبرى وقعت غزوة بدر في اليوم السابع عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، وسببها أنّ رسول الله بعث مجموعةً من أصحابه لمُقاطعة القافلة التجاريّة الآتية من الشام إلى مكّة، والتي كان يقودها أبو سفيان، ولم يكن رسول الله يريد القتال، لكنّ أبا سفيان أرسل إلى قريش يستنجدهم لحماية القافلة، فخرجت بجيشٍ يضمّ ألف مقاتلٍ، أمّا عدد المسلمين فقد بلغ ثلاثمئة وثلاثة عشر أو أربعة عشر مقاتل، فاستشار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه المهاجرين، فأشاروا عليه بالجهاد، أمّا الأنصار فقام سيّدهم سعد بن معاذ مخاطباً رسول الله يؤيّده في القتال وخوض غمار المعركة. سار النبيّ بأصحابه حتى وصل ماء بدر، فقام الحبّاب بن المنذر إلى رسول الله يسأله إن كان مجيئه إلى هذا المكان بوحيٍ من الله أم برأيه، فأجابه الرسول أن ذلك رأي الحرب، فاقترح عليه الحبّاب تغيير المكان بهدف قطع الماء عن المشركين، وأشار سعد بن معاذ إلى إقامة عريشٍ للنّبي خلف صفوف المسلمين، وبالفعل قاموا ببنائه، فرتّب رسول الله صفوف المسلمين، وحثّهم على القتال، ثم عاد إلى عريشه ومعه أبو بكر الصديق وسعد بن معاذ، وأخذ رسول الله يدعو ربّه قائلاً: (اللَّهُمَّ إنِّي أنْشُدُكَ عَهْدَكَ ووَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إنْ تَشَأْ لا تُعْبَدْ بَعْدَ اليَومِ).
ثانيا: أنها تعتبر، بما ترتب عليها من نتائج كثيرة وكبيرة لصالح الإسلام والمسلمين، هي الحدث الأبرز والأكبر الثاني في تاريخ الدعوة الإسلامية، بعد حدث الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، والذي يعتبر هو الحدث الأبرز والأكبر في تاريخ هذه الدعوة الإسلامية، باتفاق الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، والذين جعلوا من حدث الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، بداية للتاريخ الإسلامي، وذلك في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
-١٠ - وللحقيقة والتاريخ فقد هزم المسلمون -بعد مصرع قادتهم الثلاثة-
26ـ غزوة بدر وتواضع القائد مقدمة الكلمة: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى نَتَعَلَّمُ خُلُقَ التَّوَاضُعِ مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَكَيْفَ كَانَ يَتَعَامَلُ مَعَ أَصْحَابِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. في غَزْوَةِ بَدْرٍ حَصَلَ أَثْنَاءَ تَسْوِيَةِ صُفُوفِ المُقَاتِلِينَ مَوْقِفٌ، هَذَا المَوْقِفُ يُعَرِّفُنَا عَلَى صِفَةٍ مُهِمَّةٍ مِنْ صِفَاتِ الجَيْشِ المَنْصُورِ، أَلَا وَهِيَ تَوَاضُعِ قَائِدِ الجَيْشِ مَعَ جُنْدِهِ، وَانْصِهَارِهِ فِيهِمْ، فَمَا هُوَ إِلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ. اسْتَوِ يَا سَوَادُ: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: جَاءَ في سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَدَّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي يَدِهِ قِدْحٌ (سَهْمٌ) يُعَدِّلُ بِهِ الْقَوْمَ، فَمَرَّ بِسَوَادِ بْنِ غَزِيَّةَ، حَلِيفِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ (مُتَقَدِّمٌ) مِنَ الصَّفِّ.