ولا سبيل لانطلاق شعب الإيمان من قلب المسلم إلّا بتمام الإيمان في قلبه، وسطوع نوره خالصاً من الرياء، وأن يكون المسلم على علم ومعرفة بشعب الإيمان، وحتى يصل المسلم إلى هذه المرتبة الرفيعة في الإيمان لابد له من مجاهدة نفسه، والإكثار من الطاعات؛ كالحرص على تلاوة الأذكار، وقراءة القرآن، ومدارسة العلم، والتوجّه إلى الله -تعالى- بشتّى أنواع العمل الصالح، وقد حاول عدد كثير من الناس إصلاح فروع الإيمان وأجزاءه، وتركوا أصل الإيمان، وأمّا الصالحون العالمون بالله -تعالى- فإنهم يشتغلون بإصلاح أصل الإيمان وتزكيته، ولا ينسون معالجة فروع الإيمان.
[٧] كيفية معرفة شعب الإيمان أظهر الإمام ابن حبان -رحمه الله تعالى- عناية وحرصاً شديدين بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شعب الإيمان، وأنّ عددها بضع وسبعون شعبة، وقال: إنّ البضع يطلق على الأعداد من ثلاثة إلى تسعة، وبناءً على ذلك يمكن أن يبلغ عدد شعب الإيمان تسع وسبعين شعبة، وعدد الطاعات التي ذكرها الله -تعالى -في القرآن وبيَّن أنّها من الإيمان لا تبلغ بضعاً وسبعين، وكذلك عدد الطاعات التي جعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان لا تبلغ ذلك، ولكن بجمع الطاعات الواردة في القرآن الكريم مع الطاعات الواردة في السنّة النبويّة، وترك المكرّر منها يصل العدد إلى تسع وسبعين شعبة.
[١٢] ويشترط في شهادة التوحيد أن يقولها المسلم خالصة لله -تعالى-، صادقاً بها من قلبه، متيقّناً بها، ومطمئنّاً إليها، وليس المراد من شهادة التوحيد مجرّد التلفظ بها فقط، وإنّما العمل بما اقتضته من أوامر ونواهي. تعريف شعب الايمان بالله. وأعمال الناس تتفاضل حسب درجة صدقهم ويقينهم بها؛ فأعلى الناس إخلاصاً وصدقاً لله -تعالى- ينال بعمله الدرجات العُلى، وكلمة التوحيد تشتمل على نفي جميع الآلهة الباطلة التي تُعبد من دون الله -تعالى-، ومن ذلك أيضاً إثبات العبودية لله -تعالى- وحده لا شريك له؛ فكلمة التوحيد هي الحد الفاصل بين الجحود والإسلام، وبين أصحاب الجنّة وأصحاب النار. [١٣] إماطة الأذى عن الطريق إماطة الأشياء المؤذية عن المسلمين، وإبعادها عن طرقهم هي إحدى الأمور التي ندبت إليها الشريعة الإسلامية، وقد عدَّها النبي -صلى الله عليه وسلم- من شعب الإيمان، (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ) [١١] فبيَّن أنّ إبعاد الأذى عن طريق المسلمين سبب لدخول الجنّة، ونهى -عليه الصلاة والسلام- عن إيذاء المسلم لغيره من المسلمين. كما أمر المسلم بإزالة الأذى عن أخيه المسلم؛ لأنّ كل منهما مرآة للآخر، [١٤] وإزالة الأذى من الأعمال الصالحة التي تقرّب المسلم إلى الله -تعالى-، وهي سبب لنيل مغفرته سبحانه؛ فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بطَرِيقٍ وجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ فأخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له) ، [١٥] ويدخل في إماطة الأذى رفع حجر عن طريق المسلمين، أو معاونة أهل المنطقة في تنظيف المكان، أو إغلاق الحفر التي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالناس أو بمركباتهم، وأقل شيء من ذلك أن يحرص المسلم على عدم إلقاء شيء في طريق الناس.
وشعب الإيمان كثيرة، منها ما يرجع إلى الإخلاص للمعبود الحق، وبعضها يرجع إلى الإحسان إلى الخلق، وهي ليست على مرتبة واحدة في الفضل؛ بل هي متفاوتة وبعضها أفضل من بعض، فمنها ما يزول الإيمان بزوالها إجماعا، كشعبة الشهادتين، ومنها ما لا يزول بزوالها إجماعا كترك إماطة الأذى عن الطريق، وبينهما شعب متفاوتة تفاوتا عظيما، منها ما هو قريب من الأعلى، ومنها ما هو قريب من الأدنى. المراجع: شرح العقيدة الواسطية: (ص 149) - الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة: (ص 179) - تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبدالغني المقدسي: (ص 303) - زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه: (ص 71) - حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول: (ص 126) - المنهاج في شعب الإيمان: (3/415) - المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: (2/3) - شرح العقيدة الطحاوية: (2/474) - فتح الباري شرح صحيح البخاري: (1/52) - ذخيرة العقبى شرح المجتبى: (37/152) -