فلا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه، بل لا بد أن يدخل الجنة، ولقوله صلّى الله عليه وسلم أيضاً: «من حج، فلم يرفُث، ولم يفسُق، رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمُّه» أي بغير ذنب. وقال عليه السلام: «الحجاج والعُمَّار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم» رواه عن أبي هريرة النسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهم. تعريف الحج لغه وشرعا. وقال أيضاً: «يُغْفَر للحاج، ولمن استغفر له الحاج» رواه البزار والطبراني في الصغير، وابن خزيمة في صحيحه والحاكم. قال القاضي عياض: أجمع أهل السنة أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة، ولا قائل بسقوط الدين، ولو حقاً لله تعالى، كدين الصلاة والزكاة. فالحج يغفر الذنوب، ويزيل الخطايا إلا حقوق الآدميين، فإنها تتعلق بالذمة، حتى يجمع الله أصحاب الحقوق، ليأخذ كل حقه، ومن الجائز أن الله تعالى يتكرم، فيرضي صاحب الحق بما أعد له من النعيم وحسن الجزاء، فيسامح المدين تفضلاً وتكرماً، فلا بد من أداء حقوق الآدميين، أما حقوق الله فمبنية على تسامح الكريم الغفور الرحيم. والحج يطهر النفس، ويعيدها إلى الصفاء والإخلاص، مما يؤدي إلى تجديد الحياة، ورفع معنويات الإنسان، وتقوية الأمل وحسن الظن بالله تعالى.
المبحث الثَّالِثُ: حِكَمُ تَشْريعِ الإحرامِ مِنْ حِكَمِ مَشْروعيَّةِ الإحرامِ: 1- تحقيقُ العبوديَّةِ لله، وتعظيمُه، والامتثالُ لأمْرِه ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/129-130). قال الشربيني: (قال بعضُ العلماء: والحكمةُ في تحريمِ لُبْسِ المَخِيطِ وغَيْرِه مِمَّا مُنِعَ منه الْمُحْرِمُ: أن يخرُجَ الإنسانُ عن عادَتِه، فيكونَ ذلك مُذَكِّرًا له ما هو فيه من عبادةِ رَبِّه، فيشتَغِلَ بها) ((مغني المحتاج)) (1/519). تعريف العمرة وحكمها. 2- إظهارُ المساواةِ بين جميعِ المُسْلمينَ: حاكِمِهم ومَحْكومِهم، غَنِيِّهم وفَقيرِهم. 3- التَّذكيرُ باليومِ الآخِرِ والحَشْرِ قال ابنُ حجر: (قال العُلَماء: والحكمةُ في مَنْعِ الْمُحْرِم من اللِّباسِ والطِّيبِ: البُعْدُ عن الترَفُّه، والاتِّصافُ بصِفَةِ الخاشِعِ، ولِيَتذَكَّرَ بالتجرُّدِ القُدُومَ على ربِّه، فيكونَ أقرَبَ إلى مراقَبَتِه وامتناعِه مِنِ ارتكابِ المحظورات) ((فتح الباري)) (3/404) انظر أيضا: الفصل الثَّاني: سُنَنُ الإحرامِ. الفصل الثَّالِث: أنواعُ النُّسُكِ في الحَجِّ وأحكامُها.
[٦] إنّ هُناك خلافاً بين العلماء في أكثرِ أنواع الحجّ فضلاً، فهُناك من يقول إنّ حجّ التّمتُّعِ أكثر أجراً وهُناك من يقول إنّ المُفرد أكثر أجراً وأعظم، فقد قال المالكية والشّافعية بكونِ حجّ المفردِ هو الأفضل، وقد عدّ الأحنافُ حجّ القِران أفضل، أما قولُ الحنابلة ففحواه أنّ حجّ التّمتّع أفضل،[٨] وأخيراً ذهبَ جمهورُ العلماء إلى أنّ حجّ التّمتُّع أفضل اتّباعاً لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- في حجّة الوداع وذلك بأن يجعل الصحابة نيّة الحجّة تمتّعاً،[٩] إلّا أن أهل العلم قد أجمعوا على جواز الإحرامِ بأيّ نوعٍ من أنواع النُّسك الثلاثة هذه والحجّ بها. [٦] حكمة مشروعية الحجّ تنطوي الكثير من الحِكم والأسرار والمنافع على أداء فريضة الحجّ منها:[٥] يُعتبرُ الحجّ مُعلّماً للإيمان والأعمال الصّالحة، ففيه يعتاد المسلمون على الأخلاق والأعمال الفاضلة كالرّحمة، والصّبر، والتّواضع، وفيه تزيد خشيتهم من خالقهم لتذكّرهم أهوال اليوم الآخر، كما يستشعرون لذّة العبودية ويعرفون عظّمة الخالق وحاجتهم إليهم. يُعدّ الحجُّ مظهراً يُبيّن مقدار الوحدة والإخوّة الإسلاميّة، ففيه تُنحّى الفوارق والاختلافات، فلا تعود فوارق الألوان، ولا اللغات، ولا الأوطان، والطبقات، والأجناس ذات أهميّة أو جدوى، فالجميعُ بلباسٍ واحدٍ، قاصدونَ قبلةً واحدةً ويعبدون ربّاً واحداً.