ورواه النسائي (1358) ولفظه: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَيَتَحَدَّثُ أَصْحَابُهُ ، يَذْكُرُونَ حَدِيثَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَيُنْشِدُونَ الشِّعْرَ ، وَيَضْحَكُونَ ، وَيَتَبَسَّمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". تفسير قوله تعالى: (والذين هم عن اللغو معرضون). وروى البخاري في "الأدب المفرد" (266) عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَبَادَحُونَ بالبَّطِيخ ، فإِذا كَانَت الحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالُ " صححه الألباني في " صحيح الأدب المفرد ". يتبادحون: أي: يترامون. فالترويح عن النفوس بين الحين والحين ، بالممازحة والمحادثة واللعب والمشاهدة المباحة والمسامرة والتنزه ونحو ذلك: لا حرج فيه ، وليس هو من اللغو المذموم ، ولا اللهو الباطل ، إلا إذا أدى إلى ترك واجب ، أو فعل محرم ، أو غلب على طبع الإنسان حتى صار من عادته الدائمة ، وحاله اللازمة. والله تعالى أعلم.
ويشمل الإعراض عن اللغو بالألسنة ، أي أن يَلْغُوا في كلامهم. وعقب ذكر الخشوع بذكر الإعراض عن اللغو لأن الصلاة في الأصْل الدعاء ، وهو من الأقوال الصالحة ، فكان اللغو مما يخطر بالبال عند ذكر الصلاة بجامع الضدية ، فكان الإعراض عن اللغو بمعنَيي الإعراض مما تقتضيه الصلاة والخشوع لأن من اعتاد القول الصالح تجنب القول الباطل ومن اعتاد الخشوع لله تجنب قول الزور ، وفي الحديث « إنّ العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم ». والإعراض عن جنس اللغو من خُلق الجِدِّ ومن تخلق بالجد في شؤونه كملت نفسه ولم يصدر منه إلاّ الأعمال النافعة ، فالجد في الأمور من خلق الإسلام كما أفصح عن ذلك قول أبي خراش الهذلي بذكر الإسلام:... وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل سوى العَدل شيئاً فاستراح العواذل... والإعراض عنه يقتضي بالأولى اجتناب قول اللغو ويقتضي تجنب مجالس أهله. واعلم أن هذا أدب عظيم من آداب المعاملة مع بعض الناس وهم الطبقة غير المحترمة لأن أهل اللغو ليسوا بمرتبة التوقير ، فالإعراض عن لغوهم رَبْءٌ عن التسفل معهم.
ولما وصفهم تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة والأفعال الرشيدة قال: {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}، وثبت في الصحيحين: (إذا سألتم اللّه الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجّر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن). وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله: {أولئك هم الوارثون})""أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة"". وقال مجاهد: ما من عبد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار، فأما المؤمن فيبني بيته الذي في الجنة، ويهدم بيته الذي في النار، وأما الكافر فيهدم بيته الذي في الجنة، ويبني بيته الذي في النار، فالمؤمنون يرثون منازل الكفار لأنهم أطاعوا ربهم عزَّ وجلَّ بل أبلغ من هذا أيضاً، وهو ما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إذا كان يوم القيامة دفع اللّه لكل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقال هذا فكاكك من النار)، فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة باللّه الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك، قال: فحلف له ""أخرجه مسلم عن أبي بردة عن أبيه مرفوعاً"".