حيث وقعت معركة دموية سنة 1292م بمنطقة جزيرة طريف، انتهت بانتصار النصارى واستعادتهم للمدينة التي انطلقوا منها لمحاصرة الجزيرة الخضراء. وهذا الحصار دفع بملك غرناطة الجديد محمد الثالث لطلب مساعدة المرينيين الذين عبروا المضيق مرَّةً أخرى، وأجبروا النصارى على الانسحاب من الجزيرة الخضراء سنة 1310م. واصل محمد الثالث مهمَّة الترميم والعمارة داخل قصر الحمراء التي بدأها جده ووالده، ومن بين المرافق التي أضافها، المسجد والحمام العمومي. وقد خلفه على العرش بعد اغتياله ابنه اسماعيل الأوَّل الذي نجح سنة 1319م في تحقيق انتصارٍ كبيرٍ على القشتاليين في " معركة جبل إلبيرة " التي قُتِل فيها أميران قشتاليان، هما دون بيدرو ودون خوان. دولة بني الأحمر. ولا تزال ذكرى هذه المعركة منقوشةً على إحدى بوَّابات " جنة العريف " داخل قصر الحمراء، كما استعاد إسماعيل الأول من القشتاليين "باثة"، و"أورثي" و"غليرة"، و"ويسكا" التي شهدت معركةً لها دلالةٌ بالغة، تمثَّلت في استعمال مدافع البارود لأوَّل مرَّةٍ في أوروبا. وسوف تتواصل سلسلة الانتصارات هذه على عهد محمد الرابع الذي نجح سنة 1333م في طرد القشتاليين من الجزيرة الخضراء وجبل طارق، غير أنَّ هذا الملك الشاب لم يتمكَّن من الاستمتاع بانتصاراته؛ فقد اغتيل وعمره 18 سنة، بسبب الدسائس التي كانت تُحاك داخل قصر الحمراء.
أنشأ الأمويون فيها حضارة إسلامية عظيمة وقوية في كافة مدنها، ونقلوا إليها الأدب، والفن، والعمارة الإسلامية، وأهم الحكام الأمويين الذين حكموها هم: محمد بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن الداخل، وهشام الأول بن عبد الرحمن، والحكم بن هشام، وعبد الرحمن الثالث الناصر، والمنذر بن محمد، وعبد الرحمن الأوسط بن هشام، والحكم بن عبد الرحمن، وهشام الثاني بن الحكم، وعبد الله بن محمد. عصر ملوك الطوائف بعد سقوط الدولة الأموية فيها في عام 422هـ بدأ عصر ملوك الطوائف في أرضها، وبلغ عدد الأسر الحاكمة في هذا العصر ما يزيد عن عشرين أسرة، أهمها: بنو جهور في قرطبة، وبنو هود في سرقسطة، وبنو رزين في السهلة، وبنو زيري في غرناطة، وبنو حمود في مالقة، وبنو الأفطس في بطليوس، وبنو ذي النون في طليطلة، وبنو عامر في بلنسية، وبنو عباد في إشبيلية. عصر المرابطين والموحدين بعد سقوط خلافة ملوك الطوائف بدأ عصر دولة المرابطين الذين حكموها منذ عام 1085م إلى عام 1145م، وتلا حكمهم حكم دولة الموحدين التي حكمت ما بين عام 1121م إلى عام 1269م، ثم خضعت لسيطرة جيوش ملوك الكاثوليك الذي أنهى حكم الخلافة الإسلامية.
وكمثال على البيئة الدموية التي ترعرع فيها الأمير، فهو أنه كان شاهدا وهو طفل في الخامسة من عمره على مذبحة بني سِرّاج التي تقول الروايات التاريخية إن جده هو المسؤول عنها، وتذهب روايات أخرى إلى أن والد أبي عبد الله هو من نفذها. وقعت هذه الواقعة التاريخية عندما قرر أبو الحسن (والد أبي عبد الله الصغير) أن يفتك ببني سراج الذين كان لهم نفوذ كبير في غرناطة وكانت هناك شكوك عن اتصالهم سرا بالقشتاليين للإطاحة ببني الأحمر من الحكم، فما كان من أبي الحسن إلا أن أعد لهم وليمة ودعا كل كبار بني سراج بذريعة عقد الصلح، ثم أمر بقتلهم جميعا داخل قاعة في قصر الحمراء تسمى الآن باسم هذه المذبحة. غيرة النساء وانقلاب على الأب بوصول أبي الحسن علي إلى الحكم قرر ترك والدة أبي عبد الله والزواج من فتاة مسيحية اعتنقت الإسلام تبلغ من العمر 12 سنة (عادت لمسيحيتها بعد سقوط غرناطة)، وأنجبت له أكثر من طفل جلهم من الذكور، وحرصت على حمايتهم من دسائس القصر والأهم من القتل، حتى اشتد عودهم، ونافسوا على الحكم. كانت عائشة والدة أبي عبد الله تتابع المشهد وتستشعر الخطر الداهم على ولاية العهد التي كانت في يد ابنها، فما كان منها إلا أن ألّبت على زوجها عددا من كبار رجال الدولة، واستغلت حالة الغضب المستفحلة من حكم زوجها وعدم الرضا الشعبي عن زواجه من "مسيحية" سابقة، من أجل تحضير الوضع لابنها، وبمجرد تجاوز ابنها العقد الثاني قام بالانقلاب على والده سنة 1982 وإعلان نفسه أميرا على غرناطة وهو في الـ23 من عمره.
أيوب الريمي "التاريخ يكتبه المنتصر".. لعل هذه المقولة تنطبق بشكل كبير على الأمير أبو عبد الله محمد الثاني عشر المعروف بأبي عبد الله الصغير، آخر ملوك الأندلس الذي سلم غرناطة للملك فرناندو والملكة إيزابيلا، ليطوي صفحة سبعة قرون ويزيد من الوجود الإسلامي سطرت خلالها معالم الفردوس الذي تتغنى به الحضارات إلى الآن. فلا عجب إذن أن يكون لسقوط الأندلس وقعٌ مدوٍ ما زالت ارتداداته حاضرة وشاخصة ليوم الناس هذا، وتركت أثرا نفسيا سواء لدى الغالب أو المغلوب المسكون بتقليد الغالب حسب القاعدة الشهيرة لابن خلدون. ولا غرابة أيضا أن ينال حدث سقوط غرناطة آخر ممالك الأندلس، والشخصيات التي حضرت وأثثت لذلك المشهد المحزن؛ اهتماما كبيرا، وفي مقدمتهم الأمير عبد الله الصغير أو الزغبي كما شاع لقبه، والزغبي تعني المشؤوم، وما زالت هذه العبارة تستعمل حتى الآن في بلاد المغرب. ونال هذا الأمير –صاحب الحظ القليل- الكثير من الاهتمام سواء في الأعمال التاريخية أو السينمائية، وكذلك الروايات العربية والإسبانية، وهو ما شكّل عند الملتقي -العربي خصوصا- صورة عن الحاكم الأخير لغرناطة يمكن أن نصفها بالصورة الفولكلورية، فهو في العديد من الروايات ذلك الرجل الجبان، الشاب الغِرّ، المستسلم لأوامر والدته عائشة، وهو الذي وقف على روابي غرناطة يبكيها وهي تقرّعه وتقول مقولتها الشهيرة التي يحفظها كثيرون "ابك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال".