الدين إلاسلامي الحنيف قام على التوازن والاعتدال والوسطية ويدعونا إلى الانخراط والمشاركة في المجتمع إلإنساني المعاصر وإلاسهام في رقيّه وتقدّمه، متعاونين مع كل قوى الخير ومحبّي العدل عند الشعوب كافةً، إبرازاً أميناً لحقيقتنا وتعبيراً صادقاً عن سلامة إيماننا وعقائدنا المبنية على الحق والتآلف والمحبة والتقوى، وهذا ما أكدته رسالة عمان التي أطلقها صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في عام 2004م. والجانب الآخر في رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الشاملة انها لم تغفل بناء الانسان سلوكا وتهذيبا وعقلا وصحة حيث ان تعاليم الإسلام كلها تدفع إلى المحافظة على الصحة والارتقاء بها في كافة المجالات ليعيش الإنسان حياة سعيدة طيبة، وان العلم الحديث جاء مؤيدا للاحاديث النبوية الشريفة ليلتقي العلم والايمان معا وان الرسالة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي رسالة العلم والتنوير والحضارة. ان الحديث عن حضرة سيد البشرية يطول ولا ينتهي، فكانت رسالة الإسلام خاتمة الرسالات وملخصة أهدافها ومحققة تعاليمها، فالإسلام حفظ كل الرسالات واستكمل رسالة كل الانبياء حتى كان شريعة السماء الكاملة على الأرض اذ أرسى منظومة إيمانية وتشريعية وأخلاقية كاملة تدخل في تفاصيل الحياة العامة والخاصّة وتلبي حركة التطور الحضاري للبشرية في مسيرتها نحو المستقبل.
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاتحاد 2022©
وعن مصطلح حرية التعبير التي تسعى إليه الصحيفة الفرنسية، فلو رجعنا إلى العام 2009 فقد طُرد رسام الكاريكاتير والصحفي في مجلة شارلي إيبدو «موريس سينيه» من عمله عبر إجباره على تقديم استقالته؛ والسبب كان رسمًا كاريكاتيريًّا، انتقد فيه زواج «جان ساركوزي» ابن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي من اليهودية «جسيكا دارتي» وريثة عائلة دارتي الثرية، وتحوُّله إلى اليهودية بدافع المال. وانك لعلي خلق عظيم دينا عادل مكتوبه. وانتقاد «سينيه» لم يكن ضد الدين اليهودي، ولم يكن مسيئًا له بأي شكل، لكن مجرد الإشارة إلى اليهود كان كافيًا لاتهامه بمعاداة السامية، وتحويله للمحاكمة، وطرده من عمله. حينها لم تدافع المجلة عن موظفها، ولم تتبجح بكذبة حرية التعبير لتبرير عمله، ولكن عندما أساءت إلى الرسول الكريم بررت الصحيفة بأن هذا حرية تعبير! يقول الفيلسوف الدنماركي روسين كيركغاد: «الناس تطالب بحرية التعبير للتعويض عن حرية التفكير التي نادرًا ما يستخدمونها». شارلي إيبدو ليست كيانًا يفكر على المستوى الإنساني، ولا على المستوى الأخلاقي والاجتماعي، ومثلها كثيرون؛ لذلك تلجا للتبجح بحرية التعبير مثل الكثير من الحكومات والمسؤولين الغربيين لتبرير انتهاكاتها لحقوق الآخرين.
والله إنك لعظيم الأخلاق، كريم السجايا، مهذب الطبع، نقي الفطرة، طيب الخصال، عظيم الخلال. والله إنك جم الحياء، حي العاطفة، جميل السيرة، طاهر السريرة، نقي الضمير، عفيف الجيب، سليم الصدر. والله إنك قمة الفضائل، ومنبع الجلود ومطلع الخير وغاية الإحسان، ونهاية ما يصبو إليه الإنسان، وذروة ما تتوق إليه الأنفس وتمح إليه الأرواح. وانك لعلى خلق عظيم دينا. (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) يظلمونك، يؤذونك فتغفر، يشتمومك فتحلم، يسبونك فتعفو، يجفونك فتصفح، تعطي من منعك، تصل من قطعك، تعفو عمن ظلمك. ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).. يحبك الملك والملوك، والصغير والكبير، والرجل والمرأة، والغني والفقير، والقريب والبعيد؛ لأنك ملكت القلوب بعطفك، وأسرت الأرواح بفضلك، وطوقت الأعناق بكرمك، وسبيت الأنفس بجودك، وكسبت الناس بعطفك. (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) هذبك الوحي، وعلمك جبريل، وهداك ربك، وصاحبتك العناية، ورافقتك الرعاية، وحالفك التوفيق. (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) البسمة على محياك، البشر على طلعتك، النور على جبينك، الحب في قلبك، الجود في يدك، البركة فيك،والفوز معك. من زار بابك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من منن فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) لا تكذب ولو أن السيف على رأسك، ولا تخون ولو حزنت الدنيا، ولا تغدر ولو أعطيت الملك؛ لأنك نبي معصوم، وإمام قدوة، وإسوة حسنة.
فكما جعل الله رسوله صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم جعل شريعته لحمل الناس على التخلق بالخلق العظيم بمنتهى الاستطاعة. وإنك لعلي خلق عظيم درس عن الاخلاق. واعلم أن جماع الخلق العظيم الذي هو أعلى الخلق الحسن هو التدين ، ومعرفة الحقائق ، وحلم النفس ، والعدل ، والصبر على المتاعب ، والاعتراف للمحسن ، والتواضع ، والزهد ، والعفة ، والعفو ، والجمود ، والحياء ، والشجاعة ، وحسن الصمت ، والتؤدة ، والوقار ، والرحمة ، وحسن المعاملة والمعاشرة. والأخلاق كامنة في النفس ومظاهرها تصرفات صاحبها في كلامه، وطلاقة وجهه ، وثباته ، وحكمه ، وحركته وسكونه ، وطعامه وشرابه ، وتأديب أهله ، ومن لنظره ، وما يترتب على ذلك من حرمته عند الناس ، وحسن الثناء عليه والسمعة. وأما مظاهرها في رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي ذلك كله وفي سياسيته أمته، وفيما خص به من فصاحة كلامه وجوامع كلمه". لقد حاولت "النخبة القرشية" أن تنال من النبي صلى الله وعليه وسلم، فوصفته بالجنون، فجاء الرد صاعقاً بإثبات عظمة خلقه، فانهارت تلك الشائعة وآلاتها رغم صدورها عن وجهاء قريش الذين كانوا يشكلون رأيها العام، ويصوغون به عقول البسطاء، أمام قوة منطق الأخلاق الذي دحض كل التخرصات وزلزل أركان الباطل، فلم يعد التاريخ يتوقف طويلاً أمام تفاهة تلك الشائعة الرخيصة، بل حفظ ذلك الخلق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، واقتدى به صحابته الكرام؛ فغزوا العالم بنبل أخلاقهم وسموها، وانهارت أمام تجسيدهم لتلك الشريعة الغراء في سلوكهم كل عقيدة أرضية فاسدة، وتفككت حياله كل منظومة أخلاقية بالية.
ويبلغنا نبينا أن المدخل إلى الجنة يمر عبر بوابة حسن الخلق كما جاء فيما روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار، فقال: الفم والفرج.
وقال قتادة: هو ما كان يأتمر به من أمر الله وينتهي عنه من نهي الله". وزاد البغوي أنه: "قيل: سمى الله خلقه عظيما لأنه امتثل تأديب الله إياه بقوله: ﴿ خذ العفو ﴾ الآية". والخلق – كما قال الطاهر بن عاشور - في اصطلاح الحكماء: "ملكة أي: كيفية راسخة في النفس أي: متمكنة من الفكر تصدر بها عن النفس أفعال صاحبها بدون تأمل. فخلق المرء مجموع غرائز أي: طبائع نفسية مؤتلفة من انطباع فكري: إما جبلي في أصل خلقته، وإما كسبي ناشئ عن تمرن الفكر عليه وتقلده إياه لاستحسانه إياه عن تجربة نفعه أو عن تقليد ما يشاهده من بواعث محبة ما شاهد". وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تجسيداً لمعنى الخلق العظيم، ولقد تمكن هو من ذلك الخلق العظيم ولهذا جاءت "على" في الآية لتؤكد على هذا التمكن مثلما يقول أهل اللغة، قال صاحب أضواء البيان: "الخلق العظيم أرقى منازل الكمال في عظماء الرجال"، وقال البيضاوي: "وإنك لعلى خلق عظيم إذ تتحمل من قومك ما لا يتحمل أمثالك"، وقال أبو حيان الغرناطي: "قيل: سمي عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، من كرم السجية، ونزاهة القريحة، والملكة الجميلة، وجودة الضرائب. «وإنك لعلى خلق عظيم» | صحيفة الخليج. ما دعاه أحد إلا قال لبيك، وقال: ((إن الله بعثني لأتمم مكارم الأخلاق))، ووصى أبا ذر فقال: ((وخالق الناس بخلق حسن)).