التفريغ النصي الكامل المصور اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة، كيف شاء ومتى شاء، وهو سبحانه الخالق وحده وكل ما سوى الله مخلوق، وخلقه سبحانه عظيم ومحكم لا يستطيع أي أحد أن يخلق مثله فضلاً عن أن يخلق أفضل منه. ورود اسم الله (المصور) في القرآن الكريم آثار الإيمان باسم الله (المصور) فإذا آمنا بأن من أسماء ربنا جل جلاله المصور, فإن لهذا الإيمان آثاراً ومنها: أولاً: أن نعتقد يقيناً أن الله تعالى هو الخالق وحده وكل ما عداه مخلوق: قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد:16]، وقال تعالى: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [فاطر:3], والمخلوقات كلها حادثة مسبوقة بالعدم, كما قال الله عز وجل: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1]. ولذلك الكلام الذي يدرس للطلاب بأن المادة لا تفنى ولا تخلق من العدم, هذا هو عين الإلحاد, كل ما سوى الله فان, وكل ما سوى الله عز وجل مسبوق بعدم, وكل ما سوى الله حادث, أما الأول الذي ليس قبله شيء فهو الله, والآخر الذي ليس بعده شيء هو الله جل جلاله, كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ))[القصص:88].
فالمصور هو من أحسن وأبدع وأخرج الشكل النهائي في كامل هيئته وبهائه, ويصور الله معظم الناس خلقًا سويًا، ويخلق قِلة من الناس خلقًا غير سويّ؛ فقد يُولد طفل أعمى أو مصاب بعاهة، وهذا الاختلاف أراده الله في الخلق؛ ليلفتنا الحق -سبحانه- إلى حسن وجمال خلقه؛ لأن من يرى إنسانًا آخر معوَّقًا عن الحركة، فإنه يحمد الله على كمال خلقته. إن الله -عز وجل- هو الذي أعطى كل شيء صورته، وليس معنى الصورة الشكل الخارجي فقط, بل الشكل الكامل الداخلي والخارجي، النفس والبدن, وكما يظهر حسن التصوير في البدن تظهر حقيقة الحسن أتم وأكمل في باب الأخلاق، ولذا لم يمُنّ الله تعالى على رسوله -صلى الله عليه وسلم- كما منَّ عليه بحُسن الخلق؛ حيث قال: ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]. وإذا علم العباد هذا فلا بد أن تنطق ألسنتهم تسبيحًا وتمجيدًا لله الخالق البارئ المصور -سبحانه-، خلق المخلوقات في أتم صورة وأجملها من أول مرة، وصدق الله العلي الكبير ( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [لقمان: 11]؛ ولهذا أنكر الله على من يدعو غير الله والحال أن الله تعالى خلقهم، وجعل صورهم أحسن صور المخلوقات، ووصف نفسه بأنه أحسن الخالقين: ( أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) [الصافات: 125].
والصورة لغة: هي الشكل والهيئة والذات المتميزة بالصفات. قال الراغب الأصفهاني في المفردات: "الصورة ما ينتقش به الأعيان ويتميز بها غيرها وذلك ضربان، أحدهما محسوس يدركه الخاصة والعامة، بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان بالمعاينة كصورة الإنسان والفرس والحمار، والثاني معقول يدركه الخاصة دون العامة كالصورة التي اختص الإنسان بها من العقل والروية والمعاني التي خص بها شيء بشيء". فالمصور في حق الله سبحانه وتعالى: هو الذى صور الأشياء بشتى أنواع الصور الجلية، والخفية، والحسية، والعقلية، فلا يتماثل جنسان أو يتساوى نوعان بل لا يتساوى فردان { بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [ القيامة:4]، فالصور تتميز بألوان وأشكال في ذاتها وصفاتها، في خارجها وداخلها. والله جل وعلا أبدع صور المخلوقات وزينها بحكمته وأعطى كل مخلوق ٍ صورة على مقتضى مُشيئته وحكمته، فهو الذي صور الناس في الأرحام أطورا ونوعهم أشكالا. قال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِين} [الأعراف:11]، ومرحلة التصوير هي المرحلة الثالثة من مراحل الإيجاد بعد الخلق والبرء، فبعد تقدير الشيء وإنفاذه في الوجود تأتي مرحلة إضفاء الملامح والسمات التي يتميز بها كل مخلوق عن غيره.
أنواع التصوير الفوتوغرافي وحكمه ولعظمة خلق الله وعدم مشابهته حرم الله علينا تصوير ذوات الأرواح, التصوير بمعنى: النحت, وإلا أكثر سؤال الناس عن ما يسمى بالتصوير الفوتوغرافي, وهذا التصوير كما قال علماؤنا ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم جائز باتفاق, وقسم محرم باتفاق, وقسم محل اجتهاد, أما الجائز باتفاق فهو ما تدعو إليه ضرورة الناس, كصور الجوازات والبطاقات وما أشبه ذلك. وأما القسم المحرم باتفاق فهي الصور التي يراد بها تعظيم غير الله, والصور التي يراد بها إثارة الشهوات وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين والمؤمنات. وأما محل الخلاف فالصور التي لا تدعو إليها ضرورة ولا تشتمل على محرم, كالصور التي تكون في المناسبات الاجتماعية, مثلاً جماعة من الناس في رحلة من الرحلات, في حفل من الحفلات, في اجتماع وما أشبه ذلك, فيصور هذا اللقاء ويعطى لكل واحد منهم نسخة. وأكثر العلماء المعاصرين على أن هذا ليس داخلاً في النهي, وليس داخلاً في الوعيد الوارد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون). أو في قول الله عز وجل كما في الحديث القدسي: ( ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة, فليخلقوا شعيرة, يقال للمصور يوم القيامة: انفخ فيه الروح وليس بنافخ)؛ وذلك لأنه لم يقصد مضاهاة خلق الله عز وجل.