فالمراد بالزينة: مواضعها لا الزينة نفسها؛ لأن النظر إلى أصل الزينة مباح مطلقا، فالرأس موضع التاج، والوجه موضع الكحل، والعنق والصدر موضعا القلادة، والأذن موضع القُرط، والعضد موضع الدُّمْلُوج (وهو المِعْضَدُ من الحُلِيِّ، أي: ما يلبس من الحلي في العضد)، والساعد موضع السوار، والكف موضع الخاتم، والساق موضع الخلخال، والقدم موضع الخضاب (وهو ما يغير به لون الشيء من حناء وكتم ونحوهما)، بخلاف الظهر والبطن والفخذ؛ لأنها ليست بموضع للزينة؛ ولأن الاختلاط بين المحارم أمر شائع، ولا يمكن معه صيانة مواضع الزينة عن الإظهار والكشف. قال أبو العباس أحمد بن محمد الخلوتي، الشهير بالصاوي المالكي (المتوفى: 1241هـ) في "حاشية الصاوي على الشرح الصغير"(1/ 106 ط/ مصطفى الحلبي):[(وَ) عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ (مَعَ) رَجُلٍ (مَحْرَمٍ): لَهَا (غَيْرُ الْوَجْهِ وَالأَطْرَافِ): الرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا كَشْفُ صَدْرِهَا وَثَدْيَيْهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ عِنْدَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى مَحْرَمِهَا –كَأَبِيهَا- رُؤْيَةُ ذَلِكَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَلْتَذَّ]. وقال ابن قدامة المقدسي الحنبلي (المتوفى: 620هـ) في "المغني" (7/ 98 ط/ مكتبة القاهرة): [وَيَجوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا؛ كَالرَّقَبَةِ وَالرَّأْسِ وَالْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَا يَسْتَتِرُ غَالِبًا، كَالصَّدْرِ وَالظَّهْرِ وَنَحْوِهِمَا.
وأما في باب النَّظر: فقد ذكر الفقهاءُ -رحمهم الله تعالى- أن عورة الأَمَة أيضًا ما بين السُّرَّة والرُّكبة، ولكن شيخ الإسلام -رحمه الله- في باب النَّظر عارض هذه المسألة، كما عارضها ابن حزم في باب النَّظر، وفي باب الصَّلاة، وقال: إن الأمة كالحُرَّة؛ لأن الطَّبيعة واحدة، والخِلْقَة واحدة، والرِّقُّ وصف عارض خارج عن حقيقتها وماهيَّتها، ولا دليلَ على التَّفريق بينها وبين الحُرَّة. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنَّ الإماء في عهد الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام، وإن كُنَّ لا يحتجبن كالحرائر؛ لأن الفتنة بهنَّ أقلُّ، فَهُنَّ يُشبهنَ القواعدَ مـن النِّساء اللاتي لا يرجون نكاحًا؛ قـال تعالى فيهن:{فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} (النور: من الآية60)، يقول: وأما الإماء التركيَّات الحِسَان الوجوه، فهذا لا يمكن أبداً أن يَكُنَّ كالإماء في عهد الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام، ويجب عليها أن تستر كلَّ بدنها عن النَّظر، في باب النَّظر. وعلَّل ذلك بتعليل جيِّدٍ مقبولٍ، فقال: إن المقصود من الحجاب هو ستر ما يُخاف منه الفِتنة بخلاف الصَّلاة؛ ولهذا يجب على الإنسان أن يستتر في الصَّلاة، ولو كان خاليًا في مكان لا يطَّلع عليه إلا الله، لكن في باب النَّظر إنما يجب التَّستر حيث ينظر الناس، قال: فالعِلَّة في هذا غير العِلَّة في ذاك، فالعِلَّة في النَّظر: خوف الفتنة، ولا فرق في هذا بين النِّساء الحرائر والنِّساء الإماء، وقوله صحيح بلا شكٍّ، وهو الذي يجب المصير إليه.
السؤال: هل الفخذ عورة؟ الإجابة: هذه المسألة مختلف فيها: فمن أهل العلم من يرى أن الفخذ ليس بعورة بالنسبة للرجل، وأنه لا يجب على الرجل ستره وظاهر كلامهم الإطلاق في الصلاة وغيرها. ومنهم من يرى أن الفخذ عورة في الصلاة وغير الصلاة.
وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول، لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث، وحديث فاطمة صحيح، فالحجة به لازمة. ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، كذلك قال أحمد وأبو داود. قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: كأن حديث نبهان لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، وحديث فاطمة لسائر الناس ؟ قال: نعم. (وقال أبو داود بعد رواية الحديث: وهذه لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم ؟. انظر سنن أبي داود، حديث 4112). هل الركبه عوره الرجل. وإن قدر التعارض، فتقديم الأحاديث الصحيحة أولى من الأخذ بحديث مفرد في إسناده مقال). (المغني لابن قدامة 6/563،564). بقي هنا قيد مفروغ منه، وهو ما ذكرناه في نظر الرجل إلى المرأة، وأعني به ألا يكون مصحوبًا بالتلذذ والشهوة، وإلا حرم، ولهذا أمر الله المؤمنات أن يغضضن من أبصارهن، كما أمر المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم سواء.. قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُـضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْـضُضْنَّ من أبصارهن ويحفظن فروجهن…). (النور: 30، 31. الآية). صحيح أن المرأة تثير الرجل وتحرك شهوته، أكثر مما يثير الرجل المرأة، وأن المرأة أكثر جاذبية للرجل، وهي المطلوبة غالبًا والرجل هو الطالب، ولكن هذا كله لا يمنع أن من الرجال من يجذب عين المرأة وقلبها بشبابه ووسامته، أو بقوته وفحولته، أو بغير ذلك من المعاني التي ترنو إليها أعين بعض النساء، أو تهفو إليها قلوبهن.