عباد الله: إن شريعة الإسلام خاتمةٌ للشرائع السابقة، لا تبلى أحكامها بالتقادم، ولا تتغيّر في أصولها ومبادئها، بل تبقى ثابتةً دائمةً محفوظةً من التبديل، معصومةً من الزّيغ والباطل، صالحةً لكل زمان ومكان, ولكل الناس على اختلاف بيئاتهم، وأنظمتهم وعاداتهم، ومللهم ونحلهم، وشعوبهم ومجتمعاتهم, ألسنتهم وألوانهم. وديمومة هذا الدين جاءت مما حباه الله من مرونة في أحكامه القابلة للتطبيق دون تكلف ولا حرج، وهو مع هذا قد فتح باب الاجتهاد في النوازل؛ فشرعت الأحكام بنصوص صريحة في مواضع، وأحاطت مساحة الاجتهاد بقواعد كلّية، منها: جلب المصالح، ودرء المفاسد، وسدُّ الذرائع، وفتحها حسب الحاجة، ومقاصد عُليا مرسيةً لدعامات العدل واليُسر والعفو وغيرها. ولكي تتحقّق لدعوةٍ مّا خلودها وبقاؤها، وتكون صالحةً لكلّ زمانٍ ومكانٍ، يجب أن تتوفّر لها ثلاث صفاتٍ: الأولى: عمومها؛ أي توجه خطابها لجميع البشر بحيث لا يختص بها قوم دون آخرين، ولا عصرٌ دون عصرٍ. ماهو الدين الصحيح - إسألنا. الثانية: موافقة أحكامها ومراميها لصريح العقل، وعدم مناقضتها له. الثالثة: اعتبار مقاصدها للصّالح العامّ والخاصّ، والإرشاد إليه عن طريق أصولها ودلائلها الخاصة. ولا توجد شريعةٌ من الشرائع السّماوية أو النظم الوضعيّة استكملت هذه الصفات؛ كما استكملها الشرع الإسلامي الحنيف؛ فقد أعطانا الشّارع أصولاً أبديّة، وهدانا إلى مقاصد تشريعيّة تفتح لنا آفاق التوسّع في معرفة الأحكام، كلما حدث حادثٌ أو جدَّ موضوعٌ.
إن كان لديهم القدرة على البحث عن الحق ولم يبحثوا فلهم شأن آخر، أما إذا لم يكن لديهم القدرة على ذلك ولم يصلهم الإسلام أصلاً، أو وصلهم مشوهًا بطريقة لا يمكن قبولها، فهذا أمرهم إلى الله تبارك وتعالى، والله سبحانه وتعالى يعاملهم بعدله وهو جواد كريم سبحانه. أسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يهدينا وإياك صراطه المستقيم، وألا يُضلنا بعد إذ هدانا، وأن يُثبتنا في الدنيا والآخرة، وأنه يتوفانا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين، إنه جواد كريم. هذا وبالله التوفيق.
↑ محمد بن جميل زينو (1997)، مجموعة رسائل التوجيهات الإسلامية لإصلاح الفرد والمجتمع (الطبعة التاسعة)، الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، صفحة 292، جزء 1. بتصرّف. ↑ صبحي إبراهيم الصالح (1984)، علوم الحديث ومصطلحه (الطبعة الخامسة عشر)، بيروت: دار العلم للملايين، صفحة 291، جزء 1. بتصرّف.