الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله. أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، في دعاء المقيم للمُسافر ذكر المؤلفُ -رحمه الله- حديثًا ذكرتُه ضمنًا في الكلام على الحديث الأول، فهذا الحديث الآخر هو: ما جاء عن أنسٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: جاء رجلٌ إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إني أريد سفرًا، فزوّدني. قال: زوَّدك اللهُ التقوى ، قال: زدني. قال: وغفر ذنبَك ، قال: زدني بأبي أنت وأمي. قال: ويسَّر لك الخيرَ حيثما كنتَ. دعاء المقيم للمسافر - معلومات اسلامية مركزي. هذا الحديث أخرجه الترمذي ، وقال: حسنٌ، غريبٌ [1]. وقد حسَّنه ابنُ القطَّان [2] ، والحافظُ ابن حجر [3]. وقال الشيخُ ناصر الدين الألباني في بعض كُتبه: حسنٌ، صحيحٌ [4]. وفي بعضها: حسنٌ، غريبٌ [5]. وفي بعضها: حسنٌ [6]. قول هذا الرجل: يا رسول الله، إني أريد سفرًا، فزوّدني. قال: زوَّدك اللهُ التَّقوى ،"زوّدني" من التَّزويد، يعني: إعطاء الزاد، والزاد هو ما يدَّخره الإنسانُ زيادةً على ما يحتاج إليه في ساعته،فيكون معه ما يحمله في سفره، ويكون قوتًا يقتاته، ونحو ذلك، فهو يقول: زوّدني. فالنبي ﷺ قال: زوَّدك اللهُ التَّقوى ، والله يقول: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197] ، فإذا زوَّده اللهُ -تبارك وتعالى- التَّقوى، فهذا أعظم الزَّاد، وهذا يكون بامتثال أوامر الله -تبارك وتعالى-، واجتناب نواهيه، كما هو معلومٌ في حقيقة التَّقوى: أن تفعل ما أمرك به، وأن تجتنب ما نهاك عنه، أو ألا يجدك حيث نهاك، وألا يفقدك حيث أمرك، وأن تجعل بينك وبين عذاب الله وقايةً بطاعته، وترك معصيته.
اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل. عن عبد الله بن سرجس رضي الله تعالى عنه قال كان رسول الله تعالى عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحَوْر بعد الكون ودعوة المظلوم وسوء المنظر في الأهل والمال. ورد عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". شرح دعاء الـمقيم للـمسافر - الكلم الطيب. ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قالَ – يعني إذا خرج من بيته –: باسْمِ اللَّهِ ، تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ. "يا أرضُ ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك، ومن شر ما يدب عليك، وأعوذ بالله من أسدٍ وأسْوَد، ومن الحية والعقرب. "
يقول الحافظُ ابن رجب -رحمه الله-:"ما تزوَّد حاجٌّ ولا غيره أفضل من زاد التَّقوى، ولا دُعِيَ للحاجِّ عند توديعه بأفضل من التَّقوى، وقد قال بعضُ السَّلف لمن ودَّعه: اتَّقِ الله، فمَن اتَّقى الله فلا وحشةَ عليه" [7]. فالسَّفر مظنّة للوحشة، يكونفي حالٍ من الغُربة، يلقى ما قد يكون سببًا لشيءٍ من المخاوف، فهذه التَّقوى تكون هي الزاد الذي يأنس به، ولا يستوحش معه. دعاء المقيم للمسافر - الجواب 24. فهذا الرجل قال:"زدّني"، سأل النبيَّ ﷺ الزيادة، قال: وغفر ذنبَك ، وعرفنا في مناسبات سابقة أنَّ الغفرَ يعني: السَّتر والتَّجاوز، فلا يُؤاخَذ على جناياته ومعاصيه وسيئاته، فيستره الله -تبارك وتعالى- في الدنيا والآخرة، ويقيه شُؤم المعصية، فلا يُؤاخذه بجرائره. قال:"زدني بأبي أنت وأمي"، يعني: أفديك يا رسول الله بأبي وأمي، فقال: ويسَّر لك الخير ، أطلق الخيرَ هنا، فيشمل الخير الدِّيني والدُّنيوي، يعني: يسَّر لك الخير مطلقًا في أمر دينك، وفي أمر دُنياك. وهذا الرجل يحتمل أنيكون قد سأل النبيَّ ﷺ أن يُزوده بشيءٍ ماديٍّ من الزاد المتعارف، يعني: أعطني شيئًا أتزود به في سفري. فأجابه النبيُّ ﷺ بأسلوب الحكيم-كما يُقال-. وأسلوب الحكيم: أن يكون السؤالُ عن شيءٍ، فيأتي الجوابُ عن شيءٍ آخر هو أولى به، كما هو أحد القولين في قوله -تبارك وتعالى-: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ [البقرة:189] ، على القول بأنهم سألوا عن الهلال: لماذا يبدو صغيرًا، ثم بعد ذلك يتَّسع حتى يصير بدرًا، ثم بعد ذلك يبدأ بالنُّقصان حتى يتلاشى؟ فعلى هذا التَّفسير يكون قد أجابهم عن شيءٍ آخر هو الأهم، وهو: لماذا كانت هذه الظَّاهرة؟ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189].
بينَ يَديِ اللهِ أي في مَوقِفِ الحِسَاب،العَرشُ والأرضُ السّابعةُ بالنّسبةِ إلى ذاتِ اللهِ على حَدٍّ سَواءٍ ،ليسَ أَحدُهما أقربَ منَ الآخَر منَ اللهِ مِنْ حَيثُ المسَافةُ،ليسَ اللهُ قَريبًا مِنْ شَىءٍ بالمَسافَة ولا بَعِيدًا بالمَسافَة، القُربُ المَسافيّ والبُعدُ المَسافيّ يكونُ بينَ مخلُوقٍ ومخلُوق. وأما كلمة لقاء الله فمعناها الموت ليس معناها أن الله يكون فى مقابلة من شئ من الخلق إنما المقابلة بالمسافة بين الخلق 2)
"اللهم إنا استودعناك إياه وأنت خالقه ومالك أمره فيارب اكتب له الخير أينما حل وارتحل ولا تولِ عليه ظالما وآنسه بك في غربته واغفر له ذنوبه وأنزل على قلبه فرحا ينسيه حزن فراق الأحبة". "يا رب نسألك أن تعيده إلينا سالما في دينه وبدنه وجميع أمره وتيسر طريقه وتسعدنا برؤيته وتسعده بعودته". "اللهم هون عليه طريق سفره واجعله آمنا فلا يصيبه مكروه وكن له صاحبا فيه فلا يشعر بوحشة أبدا". دعاء للمسافر بالتوفيق ولأن السفر في الغالب يكون لطلب تحصيل شيء ما في بلد آخر سواء علم أو مال أو غيره، فغالب ما يدعو به المقربين من المسافر التوفيق في الحصول على ما أراده، وفيما يلي مجموعة أدعية لحالات مختلفة: "اللهم وفقه في دراسته وارزقه العلم النافع الذي يرفع قدره في أمر دنياه ولا يشغله عن أمر آخرته واشرح صدره ووسع مداركه واحفظ له عقله". "يا رب رد زوجي إلينا بالسلامة واكتب له الخير في سفره ووسع عليه رزقه ولا تحرمنا قربه ولا تفتنا في غيابه وارزقنا الصبر على فراقه". "يا رب أسألك أن توفق أخي وتهون عليه سفره وتنجيه من رفقاء السوء ومكائد الخائنين وتحفظه من الشيطان ووساوسه ومن النفوس الحاقدة الحاسدة". "اللهم إن لنا حبيب طالت بيننا وبينه المسافات فاكتب له ما يتمنى وكن له أهلا فأنت خير من كل أهله وأبعد عنه كل سوء وارزقنا رؤيته مرة أخرى".
وهذه قضيّة نغفل عنها كثيرًا، ونحن في أسفارنا ونحو ذلك نصعد المرتفعات، وننزل، وما إلى ذلك، وننسى. وهكذا إذا صعد الإنسانُ في الطَّائرة، وارتفعت الطائرةُ إلى أعلى، ونظر إلى السُّحب تحته، ففي هذه الحالة قد يحصل للإنسان شيءٌ من الانبساط، أو الانشراح،أو ربما التَّعاظم: أنَّه فوق السَّحاب، فيقول:"الله أكبر"،فيُورثه ذلك إخباتًا وتواضُعًا لربِّه وخالقه . وهكذا المؤمن دائمًا يذكر ربَّه في كل الحالات،وإذا كان في حال ارتفاعٍ، أو كان في حال هبوطٍ فيُسبّح الله ، فإذا هبطت الطائرةُ سبَّح الله. والناس ينشغلون حال الصُّعود وحال الهبوط، فهذا يُغلق جوَّاله، وهذا يفتح جوَّاله، وهذا ينظر في الرسائل، وهذا يتَّصل ويقول: نحن الآن وصلنا، أو أنا الآن في الطَّائرة، سننزل من الباب، ويزدحمون على الباب، وما إلى ذلك، كما هو معلومٌ، وينسون مثل هذه المعاني، ومَن منَّا إذا صعدت الطائرةُ قال: "الله أكبر"، وإذا هبطت قال:"سبحان الله"؟ ننسى، وتنشغل الأذهانُ بغير ذلك. فالله أرفع من كل رفيعٍ، وأعلى من كلِّ عالٍ، وهو مُنزَّهٌ عن السُّفول والنَّقائص وكلِّ ما لا يليق بجلاله وعظمته. والله -تبارك وتعالى- حينما ينزل إلى السَّماء الدنيا كلَّ ليلةٍ في ثلث الليل الآخر، أو غير ذلك مما ورد فيه النُّزول، وصحَّ عن رسول الله ﷺ؛ فذلك لا يُنافي علوَّه -تبارك وتعالى-، فهو الكامل من كل وجهٍ -جلَّ جلاله، وتقدَّست أسماؤه-.