أما سخرية ابن الرومي من المغنّين فهي كثيرة، فيها هجاء مؤلم، فله في معلم صبيان مغنًّ: أبو سليمان لا ترضى طريقته لا في غناء ولا تعليم صبيان عواء كلب على أوتار مندفة في قبح قرد وفي استكبار هامان وتحسب العين فكيه إذا اختلفا عند التنغم فكَّيْ بغل طحان فانظر إلى التشبيه (بغل طحان) ففيه تصوير لبغل يتعبه الطحان في عمله، وقد يكون جائعًا، فأي صوت سيصدر من بين فكيه؟ وله في جحظة — وكان مغنيًا جاحظ العينين: تخاله أبدًا من قبح منظره مجاذبًا وترًا أو بالعًا حجرا كأنه ضِفْدع في لجَّة هرمٌ إذا شَدَا نَغمًا أو كرَّر النظرَا! ابن الرومي - موضوع. ابن الرومي بارع في التصوير، ولو عُرف الكاريكاتير في عصره رسمًا لكان فيه صاحب أفكار مذهلة. وله في مُغنٍّ آخر: إنك لو تسمع ألحانه تلك اللواتي ليس يعدوها لخلت من داخل حلقومه موسوسًا يخنق معتوها فتخيل هذه الصورة المدهشة- مخنوق يخنق معتوهًا، فأي صوت منكر هذا؟! وله في مغنية أخرى: صوتها بالقلوب غير رفيق بل له بالقلوب عنف وبطش فإذا رققته بالجهد منها خلت في حلقها شعيرًا يُجش الشعير الذي يُجش- صورة منفرة، هذا إذا بذلت جهدًا ورققت صوتها، فابن الرومي لا يحتمل هذا العنف أو البطش الصوتي. لنصاحب الشاعر مع بعض أصحاب اللحى، فهذا له لحية طويلة، فتخيل وصفه: لو غاص في الماء بها غوصة صاد بها حيتانه أجمعا أو قابل الريح بها مرة لم ينبعث في خطوه أصبعا واقرأ هذا الخطاب لأحدهم: إن تَطُل لحية ٌ عليك وتعرضْ فالمخالي معروفة للحميرِ علَّق الله في عِذاريك مِخْلاة ً ولكنها بغير شعيرِ الشاعر مصرّ على أن صاحبها حمار واللحية مخلاة، ولكنها من شعر لا من شعير.
بيانات أخرى فيديوهات ووثائقيات
هي صورة الأحدب كما يتخيلها الشاعر، ويتأملها حسيًا وحركيًا معًا. لا أظن ابن الرومي هجا الأحدب بسبب صورته فقط، وإنما كان هناك بعض ما أزعجه منه، وربما بسبب تطيّره الحاد الذي جعله يجرؤ على تقديم هذه الصورة الساخرة.