إذا وقفنا عند هذه الحقائق طويلًا وشعرنا بأهميتها وأدركنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي بيده كل شيء، هو الذي يجازي بالإحسان إحسانًا هو صاحب الفضل والإنعام هو الذي يمكن أن يقبل من عباده الدرهم والدينار ويضاعفه أضعافًأ كثيرة، هو الذي يقبل الصدقة من عباده، هو الذي يقبل التوبة، هو الذي يقبل إدخال الفرح والسرور على المساكين والمحتاجين، هو الذي لا ينظر إلى حجم العمل الذي نقوم به ولا إلى عدد الدنانير التي نتصدق بها ولكن ينظر إلى تلك القلوب التي باشرت هذه الأعمال الصغير منها والكبير. فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى صورة العمل وإنما ينظر إلى القلب وموقع العمل فيه والتوجه فيه نحو الله سبحانه.
وقوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ يقول: وهو القويّ الشديد انتقامه ممن عصاه، وخالف أمره ﴿الْغَفُورُ﴾ ذنوب من أناب إليه وتاب من ذنوبه.
وقوله سبحانه: "قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين". وهدد الله سبحانه المكذبين للحق في سورة المرسلات عشر مرات فقال: "ويل يومئذ للمكذبين"، وقال سبحانه في شأن الذين جحدوا الحق، ونطقوا بالزور والبهتان: "انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا". رسم عن الصدق مع. كما أكد عز وجل في كثير من الآيات القرآنية خسران الكذابين في الدنيا والآخرة فقال: "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون". أيضاً شن رسول الله صلى الله عليه وسلم حملة كبيرة على رذيلة الكذب وحذر منها تحذيراً شديدا، ووصف من يسلك هذا السلوك بأقبح الصفات، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما كان من خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ما اطلع على أحد من ذاك بشيء فيخرج من قلبه حتى يعلم أنه قد أحدث توبة"، أي: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع إنسانا يكذب في حديثه يعظه ويأمره بالتوبة وينفره من الكذب. وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: "يطبع المؤمن على الخلال كله إلا الخيانة والكذب". سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً؟ أي: خائفاً غير شجاع.
والصدق في السلوك الذي يرضي الخالق سبحانه في قوله صلى الله عليه وسلم: "تحروا الصدق، وإن رأيتم فيه الهلكة فإن فيه النجاة". وإذا كانت ثمرة الصدق في الدنيا هي الطمأنينة، حيث يطمئن الإنسان الصادق على نفسه ويطمئن إليه الناس، فقد أوضح لنا صلوات الله وسلامه عليه أن ثمرة الصدق في الآخرة هي الجنة. لذلك كان الصدق - كما يقول د. جمعة - من أخلاق القرآن وشمائل الأنبياء والمرسلين، وخصائص عباد الله المخلصين، فهو صفة واجبة، وفضيلة يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، فإن لم يفعل ذلك، كان جزاؤه النار وبئس المصير فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا". خسائر الكذابين وإذا كان الإنسان الصادق يجني ثمرة صدقه ويربح دينه ودنياه، فإن الإنسان الكذاب يخسر الدنيا والآخرة، ولذلك لم يحذر القرآن من صفة ذميمة كما حذر من الكذب، حيث اعتبره من أكبر الكبائر.. رسم عن الصدق والثبات. فهو طريق الإنسان إلى النار فيه يخسر آخرته بعد خسارة دنياه ويكفي لبيان سوء عاقبة الكاذبين قول الله تعالى: "إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون".
ومن هنا كانت عناية القرآن- كما يقول العالم الأزهري د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري- بفضيلة الصدق، باعتبارها أهم الدعائم التي تستقيم بها حياة الفرد، وتصلح بها العلاقات الاجتماعية، وتقوى بها الروابط الإنسانية بين الناس جميعا، فالصدق يجلب لصاحبه رضا الخالق سبحانه وتعالى، كما يجلب له ثقة كل من يتعامل معه من الناس، ومكاسب الصدق لا تحصى. لقد حث القرآن على الصدق وجعله صفة للخالق عز وجل، وصفة لأنبياء الله ورسله، ووعد الصادقين بجنات النعيم، فقد ورد مدح الصادقين في القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة منها قوله تعالى: "ليجزي الله الصادقين بصدقهم". يقول القرآن الكريم عن صدق الخالق عز وجل في سورة النساء: "ومن أصدق من الله قيلا" ويقول في موضع آخر من السورة نفسها: "ومن أصدق من الله حديثاً".. قصة عن الصدق للأطفال. والمعنى في الآيتين واحد، وهو أنه لا أحد أصدق في الحديث من الله عز وجل. كسب العقول والقلوب ويضيف: الصدق صفة من صفات رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وبها كسب العقول واقتحم القلوب، وقد وصفه القرآن بالصدق وقرن صدقه بصدق خالقه في قوله تعالى في (سورة الأحزاب): "ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً".