ولم يكتفِ هؤلاء المشركون بالإعراض، بل تعمدوا إيذاء نبي الله بالقول والفعل، فكانوا يوبخونه ويضربونه في المجالس، حتى بلغ بهم الأمر إلى مُحاولة خنقه حتى وقع مغشيًّا عليه. ظل نوح عليه السلام يُحاول إقناع قومه أعوام طوال اقتربت على الألف عام، فقد قال تعالى في سورة العنكبوت: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا} صدق الله العطيم، حتى بلَّغه الله سُبحانه وتعالى أنه لن يؤمن من قومه إلا من آمن منهم وهم قلة، فيئس نوح عليه السلام وقال داعيًا ربه كما ورد في سورة نوح: {ربِّ لا تذَر على الأرض من الكافرين ديَّارًا * إنك إن تذرْهم يُضلُّوا عِبادكَ ولا يلِدوا إلا فاجرًا كفَّارًا} صدق الله العظيم. فاستجاب الله عز وجل لنداء نبيه نوح، وأمره أن يصنع فلكًا، ويجمع بها من آمنوا معه، كي ينجوا سويًّا مما أعده الله من عِقاب للمشركين. معجزه سيدنا نوح عليه السلام كامل. فبدأ نوح ببناء السفينة، مما أثار سخرية قومه وتهكماتهم لأنهم يرونه يبني سفينة وسط الصحراء، وكان من ضمن من يسخرون منه أحد أبنائه الذي أبَى أن يهتدي. ويُقال أن نوحًا عليه السلام قد بنى سفينة ضخمة مكونة من ثلاثة أدوار، بحيث يكون الدور الأول للحيوانات والثاني للناس والثالث للطيور.
ويُقال أن السفينة ظلت تسير بهم بين الأمواج العالية منذ اليوم العاشر من شهر شوال حتى العاشر من المحرَّم، حين جفت الأرض، واستقرت بهم السفينة.
* المعجزة الثانية أمره ربه بتسيير السفينة إذا فار التنور فهي العلامة الفارقة، أن يحمل معه المؤمنين، ومن كل زوجين أثنين، وأن من كفر من قومه سيغرق بالطوفان قال تعاى: (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ). معجزه سيدنا نوح عليه السلام فيديو. وهناك إختلاف وآراء كثيرة في معني التنور، لكن أوثق الآراء أنه الفرن المعروف فيكون المعنى إذا خرج الماء من فرن بيتك. * المعجزة الثالثة أن تتحمل السفينة فيضان الماء، وارتفاع الأمواج العاتية، التي وصفها عز وجل بقوله تعالى: (وهي تجري بهم في موج كالجبال). ويتضح من التعبير القرآني، أنها كانت تجري وسط الماء الذي صار له عنفوان الموج، والذي كاد ارتفاعه أن يطول الجبال، مما يدل علي شدة وقوة المياه ، ولم تكن تسير، بل كانت تجري مسرعة، في الماء الذي يغمرها من تحتها ومن فوقها، ويحتويها من كل جوانبها، والمعتاد أن السفن تتهادي وتمشي فوق الماء. وتحملت الماء المندفع من الأرض، والماء المنهمر من السماء إلي أن رست علي جبل الجودي بعد (٤٠) يوماً ، وقيل ثلاثة أشهر، وقيل أكثر من ذلك، ناهيك عن قوة الضغط والتدمير التي تنتج عن كل هذا الماء حيث قيل أن كمية الماء التي تلقته الأرض حينئذٍ يعادل ١٦٠ الف مرة حجم ماء المحيط الأطلسي، وقيل أنه يقدر بحوالي (٦،٦٦) الف مليون متر مكعب والذي أغرق كل شئ على الأرض، وتركها كأن لم تغن بالأمس.
إذًا لقد فرق البعض من العلماء بين الخلاف وبين الاختلاف في الاصطلاح، وكان هذا التفريق من عدة وجوه ذكرها أبو البقاء الكفوي في كتابه الكليات، ونذكر منها الآتي:(6) 1- (الاختلاف): ما اتحد فيه القصد، واختلف في الوصول إليه، وأما (الخلاف): يختلف فيه القصد مع الطريق الموصل إليه. 2- (الاختلاف): ما يستند إلى دليل، بينما (الخلاف): لا يستند إلى دليل. والتفرقة بين الخلاف والاختلاف بهذا الاصطلاح الذي ذكره أبو البقاء الكفوي وغيره، لا تستند إلى دليل لغوي، ولا إلى اصطلاح فقهي. فالخلاف والاختلاف في اللغة ضد الاتفاق، فهما بمعنى واحد، ومادتهما واحدة. ملخص في الاتفاق والاختلاف بين الماتريدية والأشعرية. وقال المناوي: الاختلاف افتعال من الخلف، وهو ما يقع من افتراق بعد اجتماع في أمر من الأمور. (7) لكن قد يوجد فرق دقيق بين اللفظين من جهة الاستعمال؛ فكل منهما يستعمل باعتبار معين في حال المختلفين، وإن كان معناهما العام واحد، وإنما وضعت كل واحدة من الكلمتين للدلالة على هذا المعنى العام من جهة اعتبار معين. ومما سبق نستطيع أن نوجز الفرق بين الاختلاف والخلاف في النقاط الآتية: 1:الاختلاف هو التباين في الرأي والمغايرة في الطرح، وأما الخلاف هو المخالفة أوالمعارضة. 2: الاختلاف يعني نوع من أنواع التكامل والتناغم، وأما الخلاف مشكلته أنه ليس فيه تناغم بالعكس من الاختلاف.
والرواية الأخرى رواها البخاري (5062) بلفظ: (أهلكهم) وليس (أهلكوا). - بفتح اللام وفي رواية بضم أوله وكسر اللام - وأما الاختلاف لا يوصل صاحبه إلى التهلكة لكونه لم يقصد الفرقة وإنما حصل ذلك لسوء فهم أو تأويل، أو جهل, قال تعالى: فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [البقرة:213] ، وقال: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ [النحل:64] 4- إن الاختلاف قد يكون عن اجتهاد وعن حسن نية وقد يؤجر المخطئ، بينما الافتراق لا يكون عن حسن نية، وصاحبه لا يؤجر بل هو مذموم وآثم على كل حال. لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد)) رواه البخاري (7352)، ومسلم (1716). من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه. 5- إن من الاختلاف ما لا يصل إلى حد الافتراق ولا التنازع في الدين، يقول الشاطبي: ووجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده قد اختلفوا في أحكام الدين، ولم يتفرقوا ولا صاروا شيعاً لأنهم لم يفارقوا الدين وإنما اختلفوا فيما أذن لهم من اجتهاد في الرأي والاستنباط من الكتاب والسنة فيما لم يجدوا فيه نصاً ((الاعتصام)) للشاطبي (2/231-232).
14- إن أهل الافتراق غالباً يعتمدون على المتشابه من الأدلة كما قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7] ، أما أهل الاختلاف فعادةً يكون بسبب عدم فهم الدليل أو غير ذلك. 15- إن أهل السنة لا يذمون من اختلف وقصده الاجتهاد وكان معروفاً بالذكر الجميل والثناء الحسن مع العمل الصالح ونصرة السنة والذب عنها أما المفترق الذي قضى عمره في الصد عن سبيل الله ومحاربة السنة ونشر البدعة فيذمونه ويبدعونه ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص322-323). تناقض أهل الأهواء والبدع في العقيدة لعفاف بنت حسن بن محمد مختار – 1/41 انظر أيضا: المبحث الأول: تعريف الافتراق لغة واصطلاحا.