1429-02-18 | 2008-02-25 من كان على استقامة وهدى فقد ظفر بثناء الناس والدعاء له الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد روى البخاري (1367) ومسلم (949) في صحيحيهما عن أنس رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فاثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وجبت"، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: "وجبت"، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟، قال: "هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض". أقول: ما أعظم هذا الحديث وكيف لا يكون عظيما وقد نطق به من لا ينطق عن الهوى ـ إن هو إلا وحي يوحى ـ (النجم: 4) فمن كان على استقامة وهدى فقد ظفر بثناء الناس والدعاء له ويرجى له الجنة ومن كان على انحراف وضلال وإجرام ونفاق فهذا الذي لا يثنى عليه بالشهادة والجنة إلا من كان على شاكلته أو كان شريكا له في جرائمه.
وقال ابن حجر: " قوله: ( أنتم شهداء الله في الأرض) أي المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الإيمان، وحكى ابن التين أن ذلك مخصوص بالصحابة لأنهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم، قال: والصواب أن ذلك يختص بالثقات والمتقين". وقال العيني: "وحاصل المعنى أن ثناءهم عليه بالخير يدل على أن أفعاله كانت خيراً فوجبت له الجنة، وثناءهم عليه بالشر يدل على أن أفعاله كانت شراً فوجبت له النار، وذلك لأن المؤمنين شهداء بعضهم على بعض". وقال ابن عثيمين: "وفي هذا دليل على أن المسلمين إذا أثنوا على الميت خيراً دلَّ ذلك على أنه من أهل الجنة فوجبت له الجنة، وإذا أثنوا عليه شراً دل ذلك على أنه من أهل النار فوجبت له النار، ولا فرق في هذا بين أن تكون الشهادة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو بعده لأن حديث أبي الأسود مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم.. أنتم شهداء الله في الأرض. ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أننا لا نشهد لأحدٍ بجنة أو نار إلا من يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم، فنشهد لمن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، ونشهد بالنار لمن شهد له بالنار".
اهـ. وحُسْن الثناء -يا أهل الإيمان- هو من جملة الآثار الحسَنة التي تبْقى للمرء بعد مماته: فَارْفَعْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ذِكْرَهَا *** فَالذِّكْرُ لِلإِنْسَانِ عُمْرٌ ثَانِ وحين نقلِّب تاريخنا الغابر، نجد الذَّاكرة متخمةً بأسماءٍ لامعة إذا ذُكروا ذُكر معهم الثناء العاطر، والذِّكر الحسن، والدُّعاء بالرحمة والمغفرة، إذا ذُكر الإمام أحمد بن حنبل، قيل: إمام أهل السُّنة والجماعة، وإذا قيل: أحمد بن عبد الحليم الحرَّاني، لا يُعرف إلا بشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وإذا ذُكر صلاح الدين، قيل: قاهر الصليبيِّين، ومُحرِّر أُولَى القبلتين، وإذا ذُكر محمد بن عبد الوهاب، استحقَّ أن يُقال: الإمام المجدِّد. من هم شهداء الله في الأرض.. ولماذا؟ | مصراوى. أعلام وعُظماء غُيِّبوا في الثَّرى، لكن ما غاب ذِكرهم، وما مُحِي أثرهم، بل إنَّ ذكْرَهم بعد مَماتهم أكثر من ذِكر كثيرٍ من الأحياء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. إن الذِّكر الحسن في الدنيا ليس بكثرة المُكْث فيها، وإنَّما بقدْر الأثر عليها، لقد عاش في هذه الدار رجالاتٌ ماتوا وهم في زَهرة شبابِهم، لكنْ بقي ذِكْرُهم أزمانًا ودهورًا إلى يومنا هذا، وقلِّب نظرك في مسارب التاريخ ترَ أسماءً لامعة، وأنجُمًا سامقة، أفلَتْ وهم في عنفوان أعمارهم وشبابِهم: سعد بن معاذ -سيِّد الأوس- توُفِّي وعمره ثلاث وثلاثون سنةً، ولكنه رحل بعد أن قدَّم أعمالاً كثيرة جليلة للإسلام تُذْكر فتشكر.
فكم رحل من هذه الدار، مِن طاغية وجبَّار، وأشرار وفُجَّار، فشيَّعتْهم دعواتُ الناس عليهم، وراحةُ العباد منهم: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان: 29]، والعبد الفاجر يستريح منه العبادُ والبلاد، والشجر والدوابُّ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143]. بارك الله لي ولكم... الخطبة الثانية: فيا إخوة الإيمان: الكلُّ سيَمضي من هذه الدار، والكل ستذكره ألسنة الخلْق، إما خيرًا أو شرًّا، فلْيَختر كلُّ امرئٍ من أي الفريقين سيكون؟! وإلى أيِّ الطريقين يسير؟! الأمناء نت | الشيخ صباح وثناء الناس أنتم شهداء الله في الأرض. هذه حقيقة فلا نُعمي البصرَ والبصيرة عنها. نعم، سترحل -يا عبد الله- فكن ممن يستريح، ولا تكن ممن يُستراح منه، كن مِمَّن فارق دنياه وقد أَبقى ذِكرَه بما تركه من آثار طيبة، وسيرة نقية، وأفعال مرضيَّة، ولا تكن الآخر؛ فلا يُتأسَّف على موتك، ولا يُتحسَّر على رحيلك وإن كان لك ما كان من الجاه والمال. تذكر يا من يسعى لِيُذكر في دنياه بجاهه، أو شهرته أو ثرائه، أنَّ الشأن هو في الذِّكر بعد الرحيل، وهل سيقال عنك: فلان فقيد؟!
عن أنس -رضي الله عنه- قال: مَرُّوا بجَنَازَةٍ، فأَثْنَوْا عليها خيراً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَجَبَتْ» ثم مَرُّوا بأخرى، فأَثْنَوْا عليها شراً، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وَجَبَتْ»، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ما وَجَبَتْ؟ فقال: «هذا أَثْنَيْتُمْ عليه خيراً، فوَجَبَتْ له الجنة، وهذا أَثْنَيْتُم عليه شراً، فوَجَبَتْ له النار، أنتم شُهَدَاءُ الله في الأرض». [ صحيح. ] - [متفق عليه. انتم شهداء الله في الارض بالصور. ] الشرح إن بعض الصحابة مَرُّوا على جنازة فشهدوا لها بالخير والاستقامة على شريعة الله، فلما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثناءهم عليها قال -صلى الله عليه وسلم-: "وجَبَت"، ثم مروا بجنازة أخرى، فشهدوا عليها بالسوء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: وجَبَتْ. فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ما معنى: "وجَبت" في الموضعين؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: إن من شَهِدْتم له بالخير والصلاح والاستقامة، فهذا وَجَبتْ له الجنَّة، ومن شَهِدْتم عليه بالسوء، فهذا وَجَبتْ له النار، ولعله كان مشهوراً بنفاق ونحوه. ثم أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن من شهد له أهل الصدق والفضل والصلاح من استحقاقه الجنة أو النار يكون كذلك.
أ هـ "هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " الواجب على المسلمين الحذر كل الحذر من المنافقين الذين يظهرون الخير ويبطنون الشر ولا بد من التفريق بين الصديق والعدو لا سيما البطانة ينبغي ألا يطلع على أسرارك لا سيما إذا كنت وليا للأمر ـ إلا من كان ذا استقامة في دينه وعقيدته صادقا بالقول محبا للمسلمين ومواليا لهم وبريئا من الشرك وأهله لذا حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من المنافقين فقال: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (المنافقون: 4). "ولتعرفنهم في لحن القول" لقد جعل الله الألسن مغارف القلوب يظهر منها ما فيها، فمهما حاول أعداء المسلمين من إخفاء حقدهم وكيدهم للمسلمين إلا أن فلتان لسانهم يفضحهم، قال تعالى: ـ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ـ (محمد: 30ـ29)، وبهذا نعلم أن الله تعالى يظهر حقائق المنافقين بين الحين والآخر فمنهم من ظهر أمره ومنه من ستظهر حقيقته ولو بعد حين، فلا تثق بهم أبدا لا سيما من كانت التقية أهم مهمات الدين عنده!!