3 ومما يدل على فضل الحج المبرور أن الرسول - صل الله عليه وسلم - جعل الحج للنساء جهاداً لما روى البخاري أن السيدة عائشة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال: (( لا، لكُنَّ أفضل الجهاد حجٌّ مبرور))، وقد سئل - عليه الصلاة والسلام -: أي العمل أفضل؟ فقال: (( إيمان بالله ورسوله)) قيل: ثم ماذا؟ قال: (( الجهاد في سبيل الله)) قيل: ثم ماذا؟ قال: (( حج مبرور)) 4. وكم تشتاق نفس الحاج عندما يسمع حديثَ رسول الله - صل الله عليه وسلم - الذي قال فيه: (( والحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))5. فيبدأ يتساءل: كيفَ يحقِّق الحجَّ المبرور؟ قال ابن عمر - رضي الله عنهما - لمجاهد حين قال: ما أكثر الحاج!! قال: "ما أقلَّهم ولكن قل: ما أكثر الركب". لأن الحج المبرور لايتأتى لكل أحد حج البيت، بل لا بد له من وسائل لتحصيله: أولها: الإخلاص لله، فمن خرج من بيته متطلِّعاً إلى المدح والثناء، والسمعةِ والمباهاة؛ هبط عمله، وضلَّ سعيُه قال - تعالى - في الحديث القدسي: (( من عمل عملاً أشرك فيه معيَ غيري تركتُه وشركَه))6. الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (مقال نادر عن الحج). ولذا كان - صل الله عليه وسلم - يحذِّر من ضدِّ ذلك فيدعو مستعيناً بربِّه قائلاً: (( اللهم حجةً لا رياء فيها ولا سمعة))7.
إطعام الطعام ويضيف د. الحسين أنّ من مظاهر الحج المبرور؛ تعظيم عبادة الحج بأن يكون الحاج معظمًا المعاني الإيمانية وهو يطوف بالبيت لا تغلبه روح الانتصار والمزاحمة والمصارعة.. حديث "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" - شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد. وقد احتدم الزحام واصطك الحاج، وصارت رغبة النفس أن تسبق إلى غايتها الجديدة، وتفاخر الناس بذلك، فما يقطعونه في ساعات قد تحقق لي في دقائق وقد أوصى النبي عليه الصلاة والسلام حين الدفع من عرفة: (السكينة أيها الناس، السكينة أيها الناس.. ) رواه أحمد. ومن مظاهر الحج المبرور؛ إطعام الطعام، وكف اللسان عن الآثام، سئل سعيد بن جبير: أي الحج أفضل؟ قال: «من أطعم الطعام، وكف اللسان»، مشيراً إلى أنّ الحج نسك عظيم، هنيئاً للبررة الفائزين بما أعد المولى لهم من أجور عميمة، وكما قال رسول الله: (مَنْ حَجّ هَذَا البَيتَ فَلَمْ يَرْفُثْ ولمَ يَفسقْ رَجَعَ كيَوم وَلَدَته أُمُّه) رواه البخاري ومسلم. البر والطاعة ويستهل الدكتور محمد بن إبراهيم الرومي أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود بالرياض مشاركته بحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
لذا جدير بأن لا يغيب عن ذهن الحجاج منذ عقد النية في أداء الحج؛ أنهم في رحلة عبودية تامة لله تعالى، قال تعالى: (الحَجُ أشهرٌ معلومات فَمَن فَرَضَ فِيهِنّ الحَجّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوق ولا جِدَالَ فِي اْلحَجِ وَمَا تَفعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اْللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ اْلزَّاد اْلتَّقْوَى وَاْتَّقُونِ يا أُوْلِى أْلأَلباَب) [سورة البقرة آية: 197]. الدرر السنية. ومن هنا يأتي مقام الحج المبرور بأن يبتعد الحاج عن كل ما يؤثر فيه من رفث، وفسوق، وجدال، وغير ذلك من نوازع النفس وشهواتها، ولنا في رسولنا القدوة الحسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم- بقوله في خطبة حجة الوداع عن حرمة الخوض في الأعراض: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ،كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا.. ). فحري بالحجاج أن يعنوا أن يكون حجهم مبرورا، ومستشعرين العبادة بجميع جوانبها في الحج، ومدركين الغاية الكبرى لأعمال الحج في كل أحوالهم ونسكهم، وبهذا تتحقق المعاني الصحيحة للعبادة، والمقاصد العظمى للحج المبرور. وقد بين الله تعالى أن المقصد من النسك كله هو: (ليذكروا اسم الله)، ولهذا قالت عائشة - رضي الله عنها -: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله).
قُلتُ: وبشر بن المنذر ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال أبو حاتم: كان صدوقًا. ♦ وأخرجه ابن أبي الدنيا في «المداراة» (112) عن يحيى بن محمد بن السكن أبي عبيد الله البصري، ثنا حبان بن هلال، ثنا أبو محصن، ثنا سفيان بن حسين به. قُلتُ: وإسناده حسن، وأبو محصن اسمه: حصين بن نمير. وانظر «الترغيب والترهيب» للمنذري (2/ 156)، و«العلل» لابن أبي حاتم (892)، «الـمجمع» للهيثمي (3/ 207)، والله أعلم.
هذا هو مكان الحج من دِينكم أيها المسلمون، وهذا هو سرُّ افتراضه عليكم، فبادروا أيها المستطيعون إلى أداء فريضة الحج، واعلموا أن ما تنفقونه في سبيله يُوفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون. بادروا إلى أداء فريضة الحج ، وتعرَّفوا بسفركِم إلى الأقطار الحجازية أحوالَ إخوانكم المسلمين، وأطعموا جائعَهم، واكسُوا عاريَهم، وأنقذوا فقيرَهم من مخالب الفقر والفاقة. حقِّقوا دعوةَ أبيكم إبراهيم: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]. سافروا إلى الأقطارِ الحجازية، وأدُّوا فريضة الحج، يؤتِكم ربكم كِفلَين من رحمته؛ كفل لأداء فريضة الحج، وكفل لتفريج كرب المسلمين. أيها المسلمون، إن الله سبحانه وتعالى علَّق فلاحَ الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة على فعل الخير، والدعوة إلى الخير؛ قال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77]، والخير اسم لكل ما يرضاه اللهُ ويكون نافعًا في الدِّين أو الدنيا أو فيهما.
- العُمرةُ إلى العُمرةِ كفَّارةُ ما بَيْنَهما والحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّةُ الراوي: أبو هريرة | المحدث: الطبراني | المصدر: المعجم الأوسط | الصفحة أو الرقم: 5/15 | خلاصة حكم المحدث: لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا عبد الأعلى تفرد به محمد بن عثمان العقيلي وأبو عيسى عبد الله بن أنيس العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ. أبو هريرة | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1773 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح] التخريج: أخرجه البخاري (1773)، ومسلم (1349) جعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ الطاعاتِ وسائرَ أعمالِ الخيرِ مُكفِّراتٍ للذُّنوبِ ورافعاتٍ للدَّرَجاتِ، ومِن أجلِّ الطاعاتِ في الأجْرِ وأعْلاها في الدَّرجةِ الحجُّ والعُمرةُ. وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِفضْلِ عِبادةِ العُمْرةِ والحجِّ؛ أمَّا العُمرةُ فقالَ فيها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «العُمرةُ إلى العُمرةِ كَفَّارةٌ لِما بيْنَهما»، أي: مَن اعتَمَر عُمَرتَينِ مُتتابعتَينِ كانَتِ العُمرتانِ سَببًا في تَكفيرِ ما بيْنَهما مِن الصَّغائرِ، وعدَمِ المُؤاخَذةِ بها يومَ القِيامةِ، والعُمرةُ هي: التعبُّدُ للهِ تعالَى بالإحرامِ مِن الميقاتِ والطَّوافِ بالبيتِ، والسَّعْيِ بيْن الصَّفا والمَرْوةِ، والتحَلُّلِ منها بالحَلْقِ أو التَّقصيرِ.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: فتضمنت الآية أن أنواع البر ستة أنواع، من استكملها فقد استكمل البر، أولها: الإيمان بأصول الإيمان الخمسة، وثانيها: إيتاء المال المحبوب لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وثالثها: إقام الصلاة، ورابعها: إيتاء الزكاة وخامسها: الوفاء بالعهد، وسادسها: الصبر على البأساء والضراء وحين البأس. والحاج يحتاج إلى كل هذه الأنواع، فإنه لا يصح حجه بدون الإيمان، ولا يكمل حجه ويكون مبروراً بدون إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فإن أركان الإسلام بعضها مرتبط ببعض، فلا يكمل الإيمان والإسلام حتى يؤتى بها كلها. ولا يكمل بر الحج بدون الوفاء بالعهود في المعاقدات والمشاركات المحتاج إليها في سفر الحج، وإيتاء المال المحبوب لمن يحب الله إيتاءه، ويحتاج مع ذلك إلى الصبر على ما يصيبه من المشاق في السفر، فهذه خصال البر. فمن حج من غير إقام الصلاة، لاسيما إن كان حجه تطوعاً كان بمنزلة من سعى في ربح درهم وضيّع رأس ماله وهو ألوف كثيرة». لقد كان في السف الصالح - رحمهم الله - يواظبون على فعل الطاعات ونوافل القربات في حجهم، ويستثمرون ساعاته ويعمرون أيامه بالأعمال الصالحة، وكانوا حريصين على قيام الليل، وتلاوة القرآن وأنواع الذكر.