وإن لم يستطيعوا إثبات قدرتهم على امتلاكها، واستطاع المالك الحق إثبات قدرته وحده، سقط اعتبار الحيازة، إلا إذا أثبتوا تملكها بهبة منه، وهذا يكاد يكون مستحيلا في ما تكون قيمته مرتفعة جدا، تتجاوز ما يمكن أن يهبه أحد، حتى وإن كان غاية في الكرم. وفي هذه الحال، يتعين تحكيم العرف، وتسقط الحيازة، لا سيما إذا أثبت المالك الحق أنه إنما وثق تلك العقارات بأسماء حملة الوثائق، تهربا من ضرائب أو قروض إجبارية، أو ما شاكل ذلك، بأن يكون من التجار الكبار أو رجال الأعمال الكبار أو المضاربين في الأسواق المالية، وتحمل بإثبات ذلك جميع العواقب المترتبة عليه من جزاءات وعقوبات يفرضها القانون على من يتهرب من الضرائب، أو يفرضه الشرع الإسلامي على مانع الزكاة. أو من يخفي ماله في حالة حاجة بيت مال المسلمين إليه، أو في الظروف الحربية التي يجب استنفار أموال المسلمين لتمويلها وتجهيزها.
وجواب الثانية: بتحقيق "أن محمداً رسول الله" معرفةً، وإقراراً، وانقياداً وطاعةً. ومما ورد في فضل هذه الكلمة في القرآن الكريم: أنّها وُصِفَتْ بالكلمة الطيبة، والقولِ الثابتِ، كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (ابراهيم:24-25). لا إله إلا الله (1). وأنها العروة الوثقى، كما قال تعالى: (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا) (البقرة:256). ومن فضائلها أنّ الرسل جميعَهم أُرسلوا بها مبشرين ومنذرين، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25). إلى غير ذلك من الفضائل التي ذُكِرتْ في القرآن الكريم. وأما ما ورد في فضلها في السنة المشرفة فكثيرٌ جدّاً نذكرُ منه بعضها: فمن ذلك أنها أفضل شعب الإيمان، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ، أو بِضْعٌ وستون شُعْبَةً، أفضلُها: قولُ لا إله إلا الله، وأَدْناها: إمَاطَةُ الأذى عن الطريق).
وقال سبحانه: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ) (غافر: 65). وحققها إبراهيمُ عليه السلام كما حكى الله عنه بقوله: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الزخرف: 26-28).
خامساً: توافق بين "لا إله إلا الله" و"إياك نعبد": إنّ معنى لا إله إلا الله تضمّنه قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين) (الفاتحة: 5). وهذه الآية متضمّنةٌ لأجلِّ الغايات، ففيها يُسْرُ الخلق والأمر، والدنيا والآخرة، وهي متضمّنةٌ لأجلِّ الغايات، وأفضل الوسائل، فأجلُّ الغايات عبوديتُه، وأفضل الوسائل إعانتُه، فلا معبودَ يستحقُّ إلا هو، ولا معينَ على عبادته غيره، فعبادتُه أعلى الغايات، وإعانتُهُ أجلُّ الوسائلِ. وقد اشتملت هذه الكلمةُ على نوعي التوحيد، وهما: توحيد الربوبية، وتوحيد العبادة، وتضمّنت التعبُّدَ باسم الرب واسم الله، فهو يُعْبَدُ بألوهيته، ويُستعانُ بربوبيته، ويُهْدَى إلى الصراط المستقيم برحمته، فكان أولُ السورِة ذكر اسمه: "الله" و"الرب" و"الرحمن" تطابقاً لأجل الطالبِ من عبادته وإعانته وهدايته، وهو المنفرد بإعطاء ذلك كله، لا يعينُ على عبادته سواه، ولا يهدي سواه. كلمة لا اله الا الله. مراجع المقال: - علي الصلابي، مسودة كتاب قصة الخلق وآدم عليه السلام، وجذور الحضارة الإنسانية الأولى، قيد التأليف، ص. ص 12 - 16. - عمر بن سليمان الأشقر، العقيدة في الله، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن، ط 12، 1999، ص96، نقلاً عن ابن القيم في الصلاة.