على رسلكما إنها صفية الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد: فإنه يغلب على البعض من الناس اليوم خلق ذميم، ربما ظنوه نوعاً من الفطنة وضرباً من النباهة، وإنما هو غاية الشؤم، ومنتهى البلاهة، ولو تأملنا في خلق من اتصف به لوجدناه كذلك، بل قد تصل به الحماقة إلى أن يعيب على من لم يتصف بخلقه، ويعده من السذج المغفلين، وما علم المسكين، أن إحسان الظن بالآخرين من المسلمين مما دعا إليه ديننا الحنيف وحثنا عليه. 1 فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على حسن الظن واجتناب سوء الظن ذلك كما جاء عن صفية بنت حيي أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ( على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي) فقالا: سبحان الله يا رسول الله وكبر عليهما! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً) 2.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن عاصم ، سمعت أبا تميمة يحدث عن رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عثر بالنبي صلى الله عليه وسلم حماره ، فقلت: تعس الشيطان. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقل: تعس الشيطان; فإنك إذا قلت: تعس الشيطان ، تعاظم ، وقال: بقوتي صرعته ، وإذا قلت: بسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب ". تفرد به أحمد إسناده جيد قوي ، وفيه دلالة على أن القلب متى ذكر الله تصاغر الشيطان وغلب ، وإن لم يذكر الله تعاظم وغلب. وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا الضحاك بن عثمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحدكم إذا كان في المسجد ، جاءه الشيطان فأبس به كما يبس الرجل بدابته ، فإذا سكن له زنقه - أو: ألجمه ". قال أبو هريرة: وأنتم ترون ذلك ، أما المزنوق فتراه مائلا - كذا - لا يذكر الله ، وأما الملجم ففاتح فاه لا يذكر الله عز وجل. تفرد به أحمد.