فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا والله أحبك. قال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ثناء الصحابة عليه: عن الشعبي قال: حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال ابن مسعود: إن معاذ بن جبل كان أمةً قانتًا لله حنيفًا، فقيل إن إبراهيم كان أمةً قانتًا لله حنيفًا، فقال ما نسيت هل تدري ما الأمة وما القانت؟ فقلت: الله أعلم، فقال: الأمة الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله عز وجل وللرسول، وكان معاذ بن جبل يعلم الناس الخير وكان مطيعًا لله عز وجل ورسوله. وعن شهر بن حوشب قال: كان أصحاب محمد إذا تحدثوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبة له. وقال عنه عمر رضي الله عنه: "عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ". وقال عمر بن الخطاب يومًا لأصحابه: لو استخلفت معاذَا - رضي الله عنه- فسألني ربى عز وجل ما حملك على ذلك؟ لقلت: سمعت نبيك يقول: (يأتي معاذ بن جبل بين يدي العلماء برتوة (أي يسبقهم مسافة كبيرة، قيل إنها رمية حجر) [أحمد].
ورع معاذ: كان لمعاذ -رضي الله عنه- زوجتين، فإذا كان يوم إحداهما لم يشرب كأس ماء عند الأخرى بُغيةَ أن يعدل بينهما، وقد توفيت زوجتيه الاثنتين في الطاعون فأقرع بينهما أيّهما يدفن أوّلاً وذلك من تحرّيه للحلال وورعه عن الحرام. عبادة معاذ بن جبل: كان معاذ -رضي الله عنه- إذا قام الليل قال: (اللهمّ طلبي للجنّة بطيء، وهربي من النّار ضعيف، اللهمّ اجعل لي عندك هدى تردّه إلي يوم القيامة إنّك لا تخلف الميعاد). كرم معاذ: كان معاذ -رضي الله عنه- لا يُسأل عن شيءٍ إلّا أعطاه، حتى إنّه أدان ديناً فأغلق ماله فيه لِعِظَمه.
ثانيها: أنّ معاذ بن جبل -رضي الله عنه- لم يكن بارعاً في الفقه والفهم فحسب، بل كان كذلك في حفظ القرآن الكريم وإتقانه حتى كان -رضي الله عنه- أحد الأربعة الذين أوصى بهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- صحابته في أخذ القرآن الكريم عنهم وذلك بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (خُذُوا القُرْآنَ مِن أرْبَعَةٍ مِن عبدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ، وسالِمٍ، ومُعاذِ بنِ جَبَلٍ، وأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ). [١٣] ثالثها: أنّ المكانة العلمية التي حظيَ بها معاذ بن جبل -رضي الله عنه- في بلاد الشام، كانت بموازاة مكانته بين كبار الصحابة في المدينة المنورة، وممّا يُظهر ذلك ما أخبر به أبو مسلم الخولاني بأنّه قد دخل يوماً إلى مسجد حمص فرآى شاباً حَسَن الطّلّة، يتوسط الكهول ويُجيبهم عما أُشكِل عليهم من أمور دينهم، فسأل عنه فقيل له بأنّه معاذ بن جبل. [١٠] [١١] الورع: عُرف معاذ بن جبل -رضي الله عنه- بورعه وتقواه وممّا يُظهر ذلك حرصه الشديد على العدل بين زوجَتَيه، فإن جاء يوم إحداهما كان لا يشرب أو يتوضأ في بيت الأخرى، حتى أنّه حرص على العدل بينهما يوم وفاتهما بمرض قد حلّ وأصاب أهل الشام، فكان لا بدّ من دفنهما بقبرٍ واحد فأجرى قرعة وأسهم بينهما أيتهما تٌقدَّم فيه.
ذات صلة أين ولد معاذ بن جبل وفاة أبي عبيدة و وصاياه وفاة معاذ بن جبل توفي الصحابي الجليل معاذ بن جبل السنة الثامنة عشر للهجرة مصاباً بالطاعون في الشام بناحية الأردن ، وكان عمره رضي الله عنه ثماني وثلاثين سنة ومنهم من قال ثلاث وثلاثين أو أربع وثلاثين، وهذا هو الشاب معاذ بن جبل إمام الفقهاء وكبير العلماء الذي قال فيه الرسول: (نعمَ الرجلُ معاذُ بنُ جبلٍ). [١] [٢] معاذ بن جبل وطاعون عمواس انتشر طاعون عمواس في الشام وتوفي في عامه ما يقارب من خمس وعشرين ألفاً من المسلمين، وقيل ثلاثين ألفاً، فتمنّى معاذ أن يُصاب به، حيث كان يقول المسلمون عن المرض هذا رجز فكان يقول: إنّها رحمة ربكم ودعوة نبيكم وقبض الصالحين قبلكم، اللّهم اجعل على آل معاذ نصيبهم من هذه الرحمة، فقد كان رضي الله عنه يرى في الطاعون الرحمة والشهادة حيث روى عن النبي أنّه قال: (ستُهاجِرونَ إلى الشَّامِ، فيفتحُ لَكم، ويَكونُ فيكم داءٌ كالدُّمَّلِ أو كالحزَّةِ يأخذُ بمرَاقِّ الرَّجُلِ، يَستشهِدُ اللَّهُ بِه أنفسَهم، ويزَكي بِه أعمالَهم).
وسيأتي بالأرقام (٢٢٠٥٠) و (٢٢١١٠). وفي باب قوله: "من قاتل في سبيل الله فواق ناقة"، سلف عن أبي هريرة برقم (٩٧٦٢). وعن عمرو بن عبسة، سلف في "المسند" برقم (١٩٤٤٤). وفي باب قوله: "من سأل الله القتل من عند نفسه" عن سهل بن حنيف عند مسلم (١٩٠٩) ، وانظر تخريجه عند ابن حبان برقم (٣١٩٢). وعن أنس عند مسلم برقم (١٩٠٨). وفي باب قوله: "من جرح جرحاً في سبيل الله"، سلف عن أبي هريرة برقم (٧٣٠٢). وانظر شواهده هناك.