وعن القسم للنبي صلى الله عليه وسلم من ربه عما أخبره به من حاله قال هؤلاء العلماء: "والضحى. والليل إذا سجى" أي ورب الضحى. واعتبروا ذلك القسم من أعظم درجات المبرة للرسول الكريم. كذلك بينوا مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى وحظوته لديه من خلال قوله تعالى: "ما ودعك ربك وما قلى" فقالوا: أي ما تركك وما أبغضك. وقالوا أيضاً: ما أهملك بعد أن اصطفاك: أي اختارك وفضلك وقربك. وتحدثوا أيضاً عمّا أعطاه الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وأن ما يدخره له من عطاء في الآخرة لهو أعظم بكثير. وذلك محقق في قوله تعالى: "وللآخرة خير لك من الأولى". وقال سهل في ذلك، وهو من الفقهاء المعدودين في شرح القرآن الكريم وأسباب النزول: "أي ما ذخرت لك من الشفاعة والمقام المحمود خير مما أعطيتك في الدنيا". معنى آية: ولسوف يعطيك ربك فترضى - سطور. ولا شك أن المقام المحمود، عند "سهل" إنما هو مقام الشفاعة العظمى الذي يحمده فيه الأولون والآخرون. آية جامعة وقد وجد العلماء في الآية الخامسة من سورة الضحى، آية جامعة لوجوه الكرامة وأنواع السعادة وشتات الإنعام في الدارين، أي الزيادة على ذلك بما خص الله تعالى به نبيه الأكرم، وربما هي الزيادة على النعم المعروفة بلقائه ورضوانه، مصداقاً لقوله تعالى: "ولسوف يعطيك ربك فترضى".
ويتحدث ابن إسحاق عن أن الله تعالى يرضي النبي صلى الله عليه وسلم بالفُلج في الدنيا والثواب في الآخرة في هذه الآية. والفلج (بضم الفاء وسكون اللام) هو النصر والفوز والظفر بالأعداء على ما أوردته كتب المعاجم، والمراد أنه يفوز في الدنيا وينصره الله ويحميه. وقيل: بل يعطيه الحوض والشفاعة. وقد روي عن بعض آل النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس آية في القرآن أرجى منها". وذلك لشدة كرامة رسول الله عند ربه. ويعدّد الله سبحانه وتعالى النعم والآلاء الربانية التي أسبغها على الرسول صلى الله عليه وسلم: من هدايته إلى الإسلام أو هداية الناس بالرسول. فأغناه بما آتاه، وملأ قلبه بالقناعة والغنى، وحدب عليه عمه يكفيه مرارة اليتم ويأويه إليه. وقيل أيضاً بل يأويه إلى الله. ويأتي قول الله تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدّث"، ليمنحه أمراً ربانياً هو بأمس الحاجة إليه، وذلك حين يأمره تعالى بإظهار نعمته عليه وشكر ما شرفه بنشره وإشادة ذكره. فمن شكر النعمة الحديث بها. تفسير ولسوف يعطيك ربك فترضي صور. وهذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم، وعام لأمته التي تشكل البيئة الحاضنة للدعوة الشريفة، حيث يقول تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدّث" (الضحى: 5). سورة طه وإكرام الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بإسباغ مثل هذه النعم عليه، إنما هو موصول بالشفقة به والرحمة له.
تفسير آية (ولسوف يعطيك ربك فترضى) أخبر الله تعالى نبينا سيدنا محمد ﷺ أنه سيمنحه مقامًا يرضى عنه، وهو مقام الشفاعة لأمته يوم القيامة، فمنهم من يدخلهم الجنة مباشرة بشفاعته بإذن الله، ومنهم من يشفع لهم ويخرجهم من النار بأمر الله. قال صلى الله عليه وسلم: ((فأذهب إلى ربي، فإذا رأيته خررت له ساجدا، فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي، لا أحسنها الآن فيقول لي: أي محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع وسل تعطه، واشفع تشفع، قال: فأقول: رب أمتي أمتي، فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة)). وقد خص الله الرسول أيضًا بالشفاعة لعمه الذي رباه أبي طالب أن يخفف الله عنه العذاب، لكنه يبقى خالدًا في النار لأنه لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. تفسير قوله تعالى: ولسوف يعطيك ربك فترضى. فضل تكرار ولسوف يعطيك ربك فترضى من أجل الرزق لهذه الآتية قدرة على تبديل الإنسان من حال إلى حال، فمن قعر الضيق إلى أوسع الطريق، فقد أنزلها الله حتى يشفي صدر نبيه من حزنه، ويبشره بالمكانة التي سيعطيها إياه، ومن أفضالها المجربة: إزالة الهم والحزن والاكتئاب، فلا خير من كتاب الله كشفاء للصدور وهدى ورحمة للمؤمتين، والآية تحمل معاني إرضاء الله لعبده، فيكررها الشخص بنية أن يرضيه الله كما أرضه نبيه في حزنه، وبإذن الله تجاب دعوته، لكن لا دليل على ذلك من السنة.
(ولسوف يعطيك ربك فترضى) وهي بالرغم من كونها آية خاصة بالنبي وبمقام الشفاعة الذي سيرضيه به الله في الآخرة، لكن الله سيرضي كل عباده الصالحين في الآخرة بأن يغفر لهم ويدخلهم الجنة، وفي الآية بشارة لكل لأمة محمد بشفاعة النبي لهم، حتى من ارتكبوا كبائر تدخلهم جهنم والعياذ بالله، فسيشفع لهم النبي ويدخلون الجنة بعدها. (ألم يجدك يتيما فأوى، ووجد ضالا فهدى) يذكر الله عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلك بنعمته عليه، إذ أن كان يتيمًا بعد وفاة أبيه فسخر له جده ثم عمه، وعلمه الكتاب والحكمة، وهكذا يجب على كل مؤمن أن يتذكر نعمة الله عليه، فهو الذي خلقنا وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة، فيجب أن نكون من الشاكرين الذاكرين الشاكرين، وليس من الغافلين، وأن نحمد الله رب العالمين. (ووجدك عائلًا فأغنى) أي كان النبي فقيرًا لديه عيال يعولهم، فرزقه الله، وعلينا أن نتذكر أن الله هو من يهبنا الرزق لأولادنا، وأن من أراد سعة الرزق، فعليه أن يستغفر الله كثيرًا فقد قال تعالى (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) فالاستغفار سبب للرزق من المال والبنين والزرع.