وقال محمد بن كعب القرظي: ( لا شرقية ولا غربية) قال: هي القبلية. وقال زيد بن أسلم: ( لا شرقية ولا غربية) قال: الشام. وقال الحسن البصري: لو كانت هذه الشجرة في الأرض لكانت شرقية أو غربية ، ولكنه مثل ضربه الله لنوره. وقال الضحاك ، عن ابن عباس: ( توقد من شجرة مباركة) قال: رجل صالح ( زيتونة لا شرقية ولا غربية) قال: لا يهودي ولا نصراني. وأولى هذه الأقوال القول الأول ، وهو أنها في مستوى من الأرض ، في مكان فسيح بارز ظاهر ضاح للشمس ، تفرعه من أول النهار إلى آخره ، ليكون ذلك أصفى لزينتها وألطف ، كما قال غير واحد ممن تقدم; ولهذا قال: ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني: لضوء إشراق الزيت. القمر “نور” نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء.. – مجلة تحليلات العصر. وقوله: ( نور على نور) قال العوفي ، عن ابن عباس: يعني بذلك إيمان العبد وعمله. وقال مجاهد ، والسدي: يعني نور النار ونور الزيت. وقال أبي بن كعب: ( نور على نور) فهو يتقلب في خمسة من النور ، فكلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة. وقال شمر بن عطية: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال: حدثني عن قول الله: ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) [ ص: 61] قال: يكاد محمد يبين للناس ، وإن لم يتكلم ، أنه نبي ، كما يكاد ذلك الزيت أن يضيء.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ (سورة العنكبوت، 69). نور علي نور يهدي الله. وأكمل الناس هداية أقواهم جهادا، جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا، وجهاد الهوى، فمن جاهد كل هذه في الله يسر الله له سبل الهداية، وجعل له نورا يمشي به في الناس، قال الجنيد رحمه الله مفسرا: «والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لنهدينهم سبل الإخلاص» ، ومن عطل هذه الأنواع من الجهاد، سد دونه باب الهداية، وأصبح النور لا يجد منفذا إلى القلب المظلم الغافل عن ذكر الله، ومحبة الله، ومعرفة الله، قال عز وجل: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ( سورة ق، 37). والقلب محل التلقي القابل لاستقبال نور الله، وهو شهيد حاضر غير غافل ولا غائب، ولا يزال العبد يتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة حتى يكتب من المقربين والمحبوبين عند الله، ومن أوليائه تعالى. جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليها، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذ بي لأعيدنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المومن يكره الموت وأنا أكره مساءته».
وهذا لفظ البخاري رحمه الله تعالى. وبنور الطاعات والعبادات يتطهر القلب من أدران الشهوات وحب الدنيا، وبالمداومة على الذكر يتنبه القلب ويستيقظ من سباته، لأن القلب النائم مآله الخسران والحسرة! أما القلب الحي الدائم الذكر، الكثير السجود، فيكون أقرب إلى الله تعالى وأحب إليه. نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء. والفطرة الطاهرة النظيفة متأصلة في الإنسان، ومولودة معه، فإذا اجتمع للمؤمن نور الفطرة ونور الوحي، نور على نور، أصبح يدرك بالإلهام الإلهي الحق، قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: «وهكذا المؤمن قلبه مضيء يكاد يعرف الحق بفطرته وعقله، ولكن لا مادة له من نفسه، فجاءت مادة الوحي فباشرت قلبه وخالطت بشاشته، فازداد نورا بالوحي على نوره الذي فطره الله عليه، فاجتمع له نور الوحي إلى نور الفطرة، نور على نور، فيكاد ينطق بالحق وإن لم يسمع فيه أثرا، ثم يسمع الأثر مطابقا لما شهدت به فطرته مجملا، ثم يسمع الأثر جاء به مفصلا، فينشأ إيمانه عن شهادة الوحي والفطرة». الوابل الصيب: 49. والأعمال تعبير صادق للباطن، إما أن تعبر عن الفطرة بطاعة الله والوقوف عند حدوده، والقيام بأوامره وفرائضه، وإما أن تعبر عن الفسق والانحراف عن الدين، لأن الإنسان مجبول على شيئين اثنين لا ثالث لهما؛ مجبول على دوافع الخير، ومجبول على نوازع الشر ليس إلا.
وقال يحيى بن سعيد القطان ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة ، في قوله: ( لا شرقية ولا غربية) قال: هي بصحراء ، وذلك أصفى لزينتها. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عمر بن فروخ ، عن حبيب بن الزبير ، عن عكرمة - وسأله رجل عن: ( زيتونة لا شرقية ولا غربية) قال تلك [ زيتونة] بأرض فلاة ، إذا أشرقت الشمس أشرقت عليها ، وإذا غربت غربت عليها فذاك أصفى ما يكون من الزيت. وقال مجاهد في قوله: ( [ زيتونة] لا شرقية ولا غربية) قال: ليست بشرقية ، لا تصيبها الشمس إذا غربت ، ولا غربية لا تصيبها الشمس إذا طلعت ، [ ولكنها شرقية وغربية ، تصيبها إذا طلعت] وإذا غربت. وقال سعيد بن جبير في قوله ( زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء) قال: هو أجود الزيت. نور على نور يهدي الله. قال: إذا طلعت الشمس أصابتها من صوب المشرق ، فإذا أخذت في الغروب أصابتها الشمس ، فالشمس تصيبها بالغداة والعشي ، فتلك لا تعد شرقية ولا غربية. وقال السدي [ في] قوله: ( زيتونة لا شرقية ولا غربية) يقول: ليست بشرقية يحوزها [ ص: 60] المشرق ، ولا غربية يحوزها المغرب دون المشرق ، ولكنها على رأس جبل ، أو في صحراء ، تصيبها الشمس النهار كله. وقيل: المراد بقوله: ( زيتونة لا شرقية ولا غربية) أنها في وسط الشجر ، وليست بادية للمشرق ولا للمغرب.
فالاتجاهات شتى والطرق مختلفة، ولكنها تؤدي إلى أمرين اثنين مع تشعبها اختلاف مسالكها توصل إلى الخير أو الشر، فطرق الخير والهداية السعادة والإيمان كثيرة ومتنوعة، وطرق الشيطان والغني والضلال أيضا متفرعة بعضها عن بعض. بقلم الأستاذ علي سقراط رحمه الله " مجلة الجماعة العدد الخامس عشر"
"نُورٌ على نُور يَهدِي الله لنُورِهِ من يشاء" تلاوة خاشعة ومميزة من سورة النور - الشيخ رعد الكردي - YouTube