مع صعوبة وضع تعريف جامع مانع للتحكيم فإن غالبية الأنظمة القانونية لم تتصدَّ لتعريفه وكذلك الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتحكيم؛ نظراً للصعوبة التي تكتنف تعريفه، بل لقد تركت هذه المهمة للفقه، مما ترتب عليه أن جاءت التعاريف للتحكيم متعددة ومتباينة. ومن جانبه عرَّفه المنظِّم السعودي بالمادة (1) فقرة (1) من نظام التحكيم الجديد بأنه (اتفاق بين طرفين أو أكثر على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما في شأن علاقة نظامية محددة، تعاقدية كانت أم غير تعاقدية، سواء أكان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد، أم في صورة مشارطة تحكيم مستقلة). يتضح من نص المادة الأولى من نظام التحكيم السعودي الجديد أن المنظم أكد على أن اتفاق أطراف العلاقة القانونية هي الأساس لنشوء التحكيم سواء كان شرطاً أو مشارطة، فالمشرِّع منح أطراف النزاع المحتمل حدوثه مستقبلاً الحق تنفيذاً لإرادتهم أن يحيلوا نزاعهم إلى التحكيم الذي يصبح بموجب النظام حكمه نهائياً. ومن يتابع تطور التحكيم في المملكة يدرك أن الدولة قد أولت هذا الجانب أهمية تستحقها، فجاءت نصوص التحكيم في نظام محكمة المنازعات التجارية والمادة 183 من نظام العمل الصادر عام 1389 أقرت التحكيم، ومع التطور الاقتصادي والتنموي صدر أول تنظيم للتحكيم الذي تضمن نظام الغرف التجارية الصناعية عام 1400هـ.
نظام التحكيم السعودي الجديد د. عبد القادر ورسمه غالب المستشار القانوني ومدير أول دائرة الشؤون القانونية لبنك البحرين والكويت وأستاذ قوانين الأعمال والتجارة بالجامعة الأمريكية بالبحرين منذ أيام تم إصدار نظام جديد للتحكيم في المملكة العربية السعودية ليحل محل نظام التحكيم الصادر في 1403 هجرية ويبدأ العمل بالنظام الجديد بعد 30 يوما من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. والنظام الجديد أضاف أحكاما عديدة لتقنين تنظيم التحكيم في السعودية، مع تأكيده الحرص على التمسك التام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء وبالإضافة لهذا تضمن العديد من المبادئ المطبقة دوليا وفق ما تمت الإشارة له في قانون «الأونسيترال» النموذجي للتحكيم الصادر من منظمة الأمم المتحدة والذي استفادت منه العديد من الدول عند صياغتها لقوانين وأنظمة التحكيم الوطنية. ويسري نظام التحكيم السعودي الجديد على التحكيم الذي يخضع له وفق إرادة الأطراف المتنازعة ورغبتهم شريطة عدم الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية وأحكام الاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة السعودية طرفا فيها. ويسري النظام إذا جرى التحكيم داخل المملكة أو خارجها، أي عندما يكون التحكيم دوليا، وهذا يشمل التحكيم عبر المنظمات أو هيئات التحكيم الدائمة أو مراكز التحكيم الموجودة خارج المملكة مثل مركز التحكيم لدول الخليج في البحرين أو المركز الدولي الإسلامي للمصالحة والتوفيق في دبي أو مركز تحكيم غرفة التجارة الدولية في باريس أو مركز لندن.
في حالة عدم وجود مثل هذا الاتفاق ، يتعين على هيئة التحكيم تحديد مكان التحكيم ، مع مراعاة ظروف القضية وملاءمة المكان لكلا الطرفين. ومع ذلك ، لا يخل هذا بسلطة هيئة التحكيم للانعقاد في أي مكان تراه مناسبًا للتداول ، وسماع الشهود أو الخبراء ، وفحص الموضوع وفحص ومراجعة المستندات ذات الصلة. للأطراف حرية اختيار إجراء التحكيم بلغة غير العربية. تنطبق اللغة المختارة على لغة البيانات المكتوبة والحجج الشفوية وأي قرار أو رسالة أو قرار صادر عن هيئة التحكيم ، ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك أو تقرره هيئة التحكيم. للأطراف خيار تبني قانون آخر غير قانون المملكة العربية السعودية لتنظيم إجراءات التحكيم. ومع ذلك ، يجب ألا يتعارض تطبيق القواعد أو القانون مع مبادئ الشريعة أو السياسة العامة. اقرا أيضا: شروط الحصول على رخصة محكم في السعودية أسباب بطلان حكم التحكيم في النظام السعودي وفقا للمادة 50 من نظام التحكيم ؛ 1- لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية: إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلاً، أو قابلاً للإبطال، أو سقط بانتهاء مدته. إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية، أو ناقصها، وفقاً للنظام الذي يحكم أهليته.
وباستثناء تلك الفترة فقد زاد دخل الدولة من النفط باعتبارها صاحبة أكبر احتياطي نفطي مؤكد أكثر من (265) مليار برميل وأكبر منتج ومصدر له أكثر من (10) ملايين ب/ي وبإمكانها رفع إنتاجها إلى (12. 5) مليون ب/ي بل إلى 15 مليون ب/ي، فقد أصبح الاقتصاد السعودي واحداً من أكبر الاقتصادات وهي عضو مجموعة الـ (20). ولأن التحكيم قد توسع في المجال الوطني، كما توسع في المجال الدولي مع ظهور العولمة (Globlization) وتدفق الاستثمارات وحرص الدول على تشجيع الاستثمارات الأجنبية، ناهيك عن أن نظام منظمة التجارة الدولية (TWO) جعل من التحكيم الملاذ المناسب لعقود التجارة بكافة أنواعها لإيجاد الحلول المناسبة أمام المتنازعين على نحو يتفادى الصعوبات والتعقيدات التي قد توجد في القوانين والأنظمة الداخلية - ولذا وجدنا أن الدول قبل انضمامها لمنظمة التجارة الدولية قامت بتعديل بعض قوانينها حتى تتلاءم مع متطلبات المنظمة كأحد الشروط الأساسية للانضمام إليها. من هنا فإن المنظم السعودي إدراكاً منه لأهمية التحكيم، والمملكة عضو في منظمة التجارة الدولية ومنظمات عدة أخرى، فقد نص نظام التحكيم الجديد في مادته الثانية على: (مع عدم الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية وأحكام الاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة طرفاً فيها: تسري أحكام هذا النظام على كل تحكيم أياً كانت طبيعة العلاقة النظامية التي يدور حولها النزاع، إذا جرى هذا التحكيم في المملكة، أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجري في الخارج، واتفق طرفاه على إخضاعه لأحكام هذا النظام).
هذا مع العلم أن قرار المحكمة المختصة بتعيين المحكم في بعض الحالات غير قابل للطعن فيه استقلالا بأي طريق من طرق الطعن. و كذلك قام النظام بمنح بعض الاختصاصات للمحكمة المختصة وكان يمكن ترك هذه الاختصاصات لهيئة التحكيم التي قام الأطراف بتكليفها بنظر النزاع وإصدار القرارات اللازمة بشأنه. ومن ذلك مثلا تجاوز هيئة التحكيم واللجوء للمحكمة المختصة بمنحها الحق في عزل المحكم الذي تعذر عليه أداء مهمته لأي سبب أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها… وترك هذا الأمر لهيئة التحكيم يعني تركه لإرادة أطراف النزاع، بصورة غير مباشرة، لأنهم هم من قام باختيار هيئة التحكيم وتكليفها بالمهمة شاملة كل الإجراءات وما له علاقة بها. من المتعارف عليه أن من أساسيات قوانين وأنظمة التحكيم النص على سرعة الفصل في المنازعات ولذا نلاحظ أن العديد من قوانين التحكيم والأنظمة الخاصة بهيئات التحكيم الدولية تنص على ألا تتجاوز المدة الأولية للفصل النهائي في النزاع أكثر من 6 أشهر، بل ان بعض هذه المراكز ينص على أقل من هذه الفترة. وبرجوعنا للنظام السعودي الجديد نلاحظ أنه ينص على مدة تصل إلى 12 شهرا للفصل في النزاع، عند عدم تحديد فترة بواسطة الأطراف، كما يجوز لهيئة التحكيم منح مدة إضافية مقدارها 6 أشهر ما لم يتفق طرفا التحكيم على مدة تزيد على ذلك.
هذه بعض الآراء التي طرأت بعد القراءة الأولية لنظام التحكيم الجديد في السعودية وهو يمثل خطوة محمودة في تأسيس الأطر الأولية لصناعة التحكيم، وقطعا مع الممارسة التطبيقية ربما تظهر الكثير من الأمور، ومع الممارسة السليمة المقرونة مع الفهم الصحيح لنية المشرع يتم تطوير التحكيم وتحسين التشريعات القانونية والأنظمة المكملة لها، ولنبدأ المشوار نحو تحقيق هذه الأهداف.
كما يتضمن النظام الجديد التفاصيل الخاصة بإجراءات سير الدعوى أمام هيئة التحكيم بما فيها من إجراءات وتدابير احترازية مؤقتة أو تحفظية على حسب طلب الأطراف والسير بكل الإجراءات بالمساواة والعدل المطلوب بين الأطراف حتى صدور الحكم المنهي للخصومة. وهذا الحكم النهائي قابل للنفاذ بقوة القانون، مع وجود الفرصة لمراجعة أو تفسير القرار أو إصدار الأحكام الإضافية عند الضرورة، إذا لزم الأمر. من دون شك فان نظام التحكيم الجديد يعتبر خطوة رائدة متقدمة في دعم التحكيم بالمملكة السعودية وهذا الوضع سيعمل بالطبع على توفير احدى البدائل الناجعة لتسوية المنازعات بين الأطراف إذا اختاروا بإرادتهم اللجوء للتحكيم لتسوية منازعاتهم. وهذا الحراك سيدعم النشاطات التجارية والعمليات الاستثمارية سواء كانت داخل المملكة أو مع الشركات الأجنبية في الخارج لأن فوائدها سيطمئن عند وجود نظام تحكيم وطني يتيح لهم المشاركة في اختيار هيئة التحكيم وغير ذلك من الصلاحيات الأساسية. و لكن عند اطلاعنا على النظام الجديد استرعى انتباهنا وجود بعض النقاط التي رأينا توضيحها حتى تنهض صناعة التحكيم في المملكة وترتقي وفق أفضل الأسس القانونية والتنظيمية، ومن هذه النقاط مثلا الاشتراط بعدم لجوء الجهات الحكومية للتحكيم إلا وفق ضوابط معينة وأنظمة معينة وهذا قد يحرم العديد من شركات القطاع العام من اللجوء مباشرة للتحكيم أو التردد في اللجوء إليه، مع العلم أن هناك شركات حكومية كبيرة تعمل في مجالات البترول والطاقة والطيران والاتصالات وغيره.