رواه البخاري (3798) ، ومسلم ( 2054). فهذا كان قبل نزول الحجاب ، وبيان ذلك: أن هذه القصة كانت سببا في نزول قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) كما في الحديث ، وهي آية من سورة الحشر ، وسورة الحشر نزلت في إثر جلاء بني النضير ، فروى البخاري (4882) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ الحَشْرِ، قَالَ: " نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ ". وقال يزيد بن رومان: " نزلت في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله عزّ وجل به من نقمته، وما سلط عليهم به رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وما عمل به فيهم ". انتهى من " تفسير الطبري " (23/ 263). وكان إجلاء بني النضير سنة أربع. انظر: "الطبقات الكبرى" (2/ 43)، "أسد الغابة" (3/556). وسورة الأحزاب – والتي فيها أمر النساء بالحجاب – نزلت بعد غزوة الأحزاب ، وقد كانت سنة خمس. أدلة تحريم الاختلاط *** وأقوال علماء المملكة - مجالس الرويضة لكل العرب. انظر: "البداية والنهاية" (5/560). فهذه القصة كانت قبل نزول الأمر بالحجاب. وأما حديث: (لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ): فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ - فَرَآهُمْ ، فَكَرِهَ ذَلِكَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا.
ومثله استدلالهم بما روي عن الخلال في جامعه بأن الإمام أحمد سئل عن رجل يجد امرأة مع رجل فقال: صح به، أي أنكر عليه، وذلك لكون الرجل مع المرأة يعد خلوة أو خشية الفتنة، وعليه فلا يصح الاستدلال به على تحريم الاختلاط وإنما الخلوة، ومفهومه جوازه لو لم يكونا منفردين. ومثله استدلالهم بما قاله الشافعي في النساء الجماعات في الطرقات وأمام الناس (وليس الواحدة مع الواحد) بقوله: (إن خرجوا متميزين – يعني في الطرقات لقضاء الحوائج وشهود الصلوات – لم أمنعهم، وكلهم كره خروج النساء الشواب إلى الاستستقاء، ورخصوا في خروج العجائز)، والتميز يعني عدم الازدحام بحيث تميز الرجل عن المرأة، وهنا دليل على جواز الاختلاط لقضاء الحوائج وشهود الصلوات، وما دام جاز في العجائز فهذا دليل على بقاء أصل الإباحة لهن في الاختلاط، وأما الشواب فيكره ولكنه لا يحرم لعدم ضمان استيفاء الضوابط الشرعية بشأنهن. ومثله استدلالهم بقول الشافعي: (ولا يثبت – يعني الإمام – ساعة يسلم إلا أن يكون معه نساء فيثبت لينصرفن قبل الرجال)، وهذا دليل على جواز اختلاطهن بالرجال في المسجد، وإنما ينصرفن قبلهم لئلا يزاحمنهم في الأبواب، وهذا دليل على أن التحريم هو في اختلاط التزاحم وليس في اختلاط الاجتماع.
قوله تعالى: " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنّ َ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وقلوبهن " ( الأحزاب) الدليل الثاني: حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ " متفق عليه. و ما يحصل فى كثير من الدول العربيه من اختلاط مخالف صراحة لتحذير النبي. الدليل الثالث على حرمة الاختلاط: حديث أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ " أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن بمجموع طرقه كما قال الألباني في الصحيحة.