الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل - YouTube
﴿ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾: هو خلق كلّ شيءٍ، فلا يمكن لمخلوقٍ أن ينازعه في الـمُلك. ذلِكُمُ: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد والكاف للخطاب والميم لجمع الذكور اللَّهُ: لفظ الجلالة خبر أول رَبُّكُمْ: خبر ثان لا إِلهَ: لا نافية للجنس وخبرها محذوف، إله: اسمها مبني على الفتح في محل نصب إِلَّا: أداة حصر هُوَ: بدل من الضمير المقدر في الخبر المحذوف. وجملة (لا إله إلا هو): خبر ثالث. خالِقُ: خبر رابع. كُلِّ: مضاف إليه وهو مضاف شَيْءٍ: مضاف إليه. تفسير: (ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل). فَاعْبُدُوهُ: الفاء هي الفصيحة التقدير إذا كان الله ربكم خالق كل شيء اعبدوه: فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والهاء في محل نصب مفعول به، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم. وَهُوَ: مبتدأ والواو عاطفة وَكِيلٌ: خبر تعلق به الجار والمجرور قبله «عَلى كُلِّ» شَيْءٍ: مضاف إليه، والجملة الاسمية معطوفة. الذي خلق كل شيء وهو بكل شيء عليم: هو الله ربكم، أيها العادلون بالله الآلهة والأوثان, والجاعلون له الجن شركاء, وآلهتكم التي لا تملك نفعًا ولا ضرًا، ولا تفعل خيرًا ولا شرًا لا إله إلا هو: وهذا تكذيبٌ من الله جل ثناؤه للذين زعموا أن الجن شركاء الله.
ثم قال تعالى: ( والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) وفيه مسألتان: المسألة الأولى: صريح الآية يقتضي أنه لا خاسر إلا كافر ، وهذا يدل على أن كل من لم يكن كافرا فإنه لا بد وأن يحصل له حظ من رحمة الله. الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل. المسألة الثانية: أورد صاحب "الكشاف" سؤالا ، وهو أنه بم اتصل قوله: ( والذين كفروا) ؟ وأجاب عنه بأنه اتصل بقوله تعالى: ( وينجي الله الذين اتقوا) [الزمر: 61] أي ينجي الله المتقين بمفازتهم ( والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) واعترض ما بينهما أنه خالق للأشياء كلها ، وأن ( له مقاليد السماوات والأرض). وأقول: هذا عندي ضعيف من وجهين; الأول: أن وقوع الفاصل الكبير بين المعطوف والمعطوف عليه بعيد. الثاني: أن قوله: ( وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم) جملة فعلية ، وقوله: ( والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) جملة اسمية ، وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز ، بل الأقرب عندي أن يقال: إنه لما وصف الله تعالى نفسه بالصفات الإلهية والجلالية ، وهو كونه خالقا للأشياء كلها ، وكونه مالكا لمقاليد [ ص: 12] السماوات والأرض بأسرها ، قال بعده: ( والذين كفروا) بهذه الآيات الظاهرة الباهرة ( أولئك هم الخاسرون).
واعلم أن الجواب عن هذه الوجوه قد ذكرناه بالاستقصاء في سورة الأنعام ، فمن أراد الوقوف عليه فليطالع هذا الموضوع من هذا الكتاب ، والله أعلم. أما قوله تعالى: ( وهو على كل شيء وكيل) فالمعنى أن الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها وتدبيرها من غير منازع ولا مشارك ، وهذا أيضا يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى; لأن فعل العبد لو وقع بتخليق العبد لكان ذلك الفعل غير موكول إلى الله تعالى فلم يكن الله تعالى وكيلا عليه ، وذلك ينافي عموم الآية. ثم قال تعالى: ( له مقاليد السماوات والأرض) والمعنى أنه سبحانه مالك أمرها وحافظها ، وهو من باب الكناية; لأن حافظ الخزائن ومدبر أمرها هو الذي بيده مقاليدها ، ومنه قولهم: فلان ألقيت مقاليد الملك إليه ، وهي المفاتيح ، قال صاحب: "الكشاف": ولا واحد لها من لفظها ، وقيل: مقليد ومقاليد ، وقيل: مقلاد ومقاليد ، مثل مفتاح ومفاتيح ، وقيل: إقليد وأقاليد ، قال صاحب "الكشاف": والكلمة أصلها فارسية ، إلا أن القوم لما عربوها صارت عربية. واعلم أن الكلام في تفسير قوله: ( له مقاليد السماوات والأرض) قريب من الكلام في قوله تعالى: ( وعنده مفاتح الغيب) [الأنعام: 59] وقد سبق الاستقصاء هناك ، قيل: سأل عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله: ( له مقاليد السماوات والأرض) فقال: " يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك ، تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر ، سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير " هكذا نقله صاحب "الكشاف".
ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين.. فالموقف موقف إذعان وتسليم. لا موقف مخاصمة ولا مجادلة. وهم مقرون مستسلمون! قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها. فبئس مثوى المتكبرين! ذلك ركب جهنم ركب المتكبرين. فكيف ركب الجنة؟ ركب المتقين؟ [ ص: 3063] وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا. حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها. وقال لهم خزنتها: سلام عليكم. طبتم. فادخلوها خالدين.. فهو الاستقبال الطيب. والثناء المستحب. وبيان السبب. طبتم وتطهرتم. كنتم طيبين. وجئتم طيبين. فما يكون فيها إلا الطيب. وما يدخلها إلا الطيبون. وهو الخلود في ذلك النعيم.. هنا تهينم أصوات أهل الجنة بالتسبيح والتحميد: وقالوا: الحمد لله. الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض، نتبوأ من الجنة حيث نشاء. فهذه هي الأرض لتي تستحق أن تورث. وهم يسكنون فيها حيث شاءوا، وينالون منها الذي يريدون. فنعم أجر العاملين.. ثم يختم المشهد بما يغمر النفس بالروعة والرهبة والجلال، وما يتسق مع جو المشهد كله وظله، وما يختم سورة التوحيد أنسب ختام; والوجود كله يتجه إلى ربه بالحمد; في خشوع واستسلام. وكلمة الحمد ينطق بها كل حي وكل موجود في استسلام: وترى الملائكة حافين من حول العرش، يسبحون بحمد ربهم، وقضي بينهم بالحق، وقيل: الحمد لله رب العالمين..