المطرُ أبيض وكذلك أحلامي. ترى هل تفرّقُ الشوارعُ بينهما؟ المطرُ حزين وكذلك قلبي ترى أيهما أكثر ألماً.. ؟ حين تسحقهما أقدام العابرين حين يموتُ المطرُ ستشّيعُ جنازتَهُ الحقولُ وحدها شجيرةُ الصبير ستضحكُ في البراري شامتةً من بكاءِ الأشجار مطر ناعم في خريف بعيد والعصافير زرقاء زرقاء والأرض عيد، لا تقولي أنا غيمة في المطار فأنا لا أريد من بلادي التي سقطت من زجاج القطار غير منديل أمي وما هي أسباب موت جديد مطر ناعم في خريف غريب والشّبابيك بيضاء، بيضاء والشّمس بيّارة في المغيب وأنا برتقال سليب.
يتصوّر الشاعر أن المطر قد تساقط على نخل العراق، وقام النخل بامتصاص كميّات المطر النازلة عليه جميعها، كما يتخيّل، بل يسمع صوت أنين أهل القرى وشكواهم، ويرى من هاجر ورحل عن الوطن وهم يرجعون إليه، يصارعون عواصف الخليج العاتية بمجاذيفهم وصواري القوارب، هدفهم الوصول إلى شطّ الأمان، يُغنّون للمطر الذي يُشكّل عنوان خلاصهم من المآسي التي تحيط بهم. ومع إيمان الشاعر وإيمانهم بأن المطر سينزل بالتأكيد، إلا أنّ نزوله لن يحلّ ما يواجهونه من مشاكل، كالفقر، والقهر، والجوع ، فبالرغم من سقوط المطر، وجودة مواسم الحصاد، إلا أنهم مازالوا يعانون من الجوع والفقر، لأن خيرات المحاصيل لن تعود على المزارعين والحصّادين، بل سيجنيها الغربان والجراد المستعمرين للبلاد، ليشبعوا ويزيدوا من ثرواتهم، بينما يحصل الشعب على الفتات. ونرى الشاعر يُبدي تفاؤلاً عند ذكر إصرار هؤلاء البؤساء على أمل نزول المطر الذي سيغير البؤس، ويسحق الظلم. قصيدة عن المطر - ووردز. ويستذكر السياب بمناسبة نزول المطر صورة المواطن عندما يرحل من وطنه طلباً للرزق أو هرباً من الظلم. وما زال يستذكر طفولته كان يرى الغيوم شتاء، ويراقب نزول المطر، وكانت الأرض تهتز بقطراته وتربت بالزرع الأخضر، إلا أن جوع الشعب مازال باستمرار رغم كثرة الخير، وكان ذلك يتكرر كل عام أيضاً.
فيرجعٍُ الصّدى كأنه النشيجْ: (يا خليج يا واهب المحار والردى.. ) وفي أبياته السابقة يجسد السياب مأساة الخليج العظمى، حيث الخير الوافر لكن ليس لمن يحتاجه، فيستنجد شاعرنا بهذا الخير صائحاً لكن صوت الصدى يعود مدوياً: "يا واهب المحار والردى". وفي حديثه عن موضوع ذات صلة يقول أن في العراق جوعاً دائماً، فأصحاب النفوذ الطغاة لا يتركون خيراً لشعب العراق، فهم كالجراد الذي إذا حلّ على الأخضر أكله ولم يبق منه شيئاً، فيقول: وفي العراق جوعْ وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ لتشبع الغربان والجَرادْ وكما جسّد السياب التشاؤم والحزن فيه وفي العراق، يعود للتفاؤل و الأمل بمستقبلٍ أفضل. الرمز في قصيدة أنشودة المطر. فحين كان السياب يستخدم المطر للدلالة عاى الحزن فيستخدمه لاحقاً في لازمته للدلالة على الخير و التفاؤل، فيقول: مطرْ... سيُعشبُ العراق بالمطرْ... وفي موضعٍ أخر يتفائل الشاعر بحاله وبحال موطنه ويقول قاهراً معاناته ومتحدياً معاناة شعب العراق: في كل قطرةٍ من المطرْ حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ. وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراةْ وكلّ قطرةٍ تُراق من دم العبيدْ فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسم جديدْ أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فمِ الوليدْ في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياةْ!
كلمات أنشودة المطر عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ ، أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر. عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ وترقص الأضواء … كالأقمار في نهَرْ يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر كأنما تنبض في غوريهما ، النّجومْ … وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء ، دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف ، والموت ، والميلاد ، والظلام ، والضياء ؛ فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر! التكرار في قصيدة أنشودة المطر. كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر … وكركر الأطفالُ في عرائش الكروم ، ودغدغت صمت العصافير على الشجر أنشودةُ المطر … مطر … تثاءب المساء ، والغيومُ ما تزالْ تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ. كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام: بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ فلم يجدها ، ثمَّ حين لجّ في السؤال قالوا له: "بعد غدٍ تعودْ.. " لا بدَّ أن تعودْ وإِنْ تهامس الرفاق أنهَّا هناكْ في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ تسفّ من ترابها وتشرب المطر ؛ كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباك ويلعن المياه والقَدَر وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ. مطر.. أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر ؟ وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر ؟ وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع ؟ بلا انتهاء – كالدَّم المراق ، كالجياع ، كالحبّ ، كالأطفال ، كالموتى – هو المطر!