(لاَ تُبَشِّرْهُمْ. فَيَتَّكِلُوا): أي لا تبشرهم فيعتمدوا على ذلك إذا أخبرتهم. (تَأَثُّما): أي خشية الوقوع في الإثم، وهو إثم كتمان العلم. رابعاً: من فوائد الحديثين: الفائدة الأولى: حديث معاذ فيه بيان عظم كلمة التوحيد وبيان فضلها، حيث بين النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث حقين وكلاهما مرتبط بكلمة التوحيد: الأول: حق الله على العباد: وهو أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، فلا يكفي فقط العبادة لأن الكفار كانوا يصرفون شيئا من العبادة لله تعالى لكنهم يشركون معه غيره، ولذلك لابد من عبادة الله تعالى مع عدم إشراك غيره معه. وهذا سمي حقاً، لأنه حتم لازم واجب على العبد تجاه ربه جل وعلا. والثاني: حق العباد على الله تعالى: وهو أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا، وهذا فضل عظيم من الكريم جل جلاله، ولماذا سمي هذا حقا على الله تعالى مع إيماننا بأنه لا ملزم له سبحانه ولا موجب عليه فهو لا شك ليس لزوم وإيجاب، ولذا اختلف في معنى ذلك على أقوال أظهرها قولان: قيل: سمي حقا من باب المقابلة، لما قيل للأول حق قيل لهذا حق أيضا وهذا من فضل الله تعالى ولطفه على عباده جل وعلا. وقيل: إن معنى الحق هنا أي المتحقق الثابت والخير والثواب الواقع الذي لا تردد معه.
قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ. قُلْتُ ثُمَّ أَيّ: قَالَ « ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ». قُلْتُ ثُمَّ أَيّ قَالَ « ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ » متفق عليه. لذا فلا بد لنا من أن نتعرف على الشرك ومظاهره ،لنحذر منها ،ونبتعد عنها ،حتى لا تحبط أعمالنا ونحن نظن أننا نحسن العمل، يقول الله تعالى: (قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرِينَ أَعمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا) [الكهف: 103، 104]. ويخطئ كثير من الناس ،حين يعتقدون أن الشرك هو فقط الكفر العلني بالله، أو هو عبادة غير الله بالصلاة له ،أو ما شابهه، فالشرك أعم من ذلك ، لأنه يدخل في كثير من مظاهر العبادة، فالعبادة ليست الصلاة والحج والصوم فقط، بل إن الخوف عبادة ،والتوكل عبادة ، والدعاء عبادة ،والقسم عبادة ،والنذر عبادة ، والاستعاذة عبادة، إلى غير ذلك من العبادات، فلا بد أن نراعي في كل هذه العبادات ما أمرنا الله به ، حتى لا تفضي بنا إلى الشرك والعياذ بالله. أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم ا لخطبة الثانية ( حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ.. وحَقُّهُمْ عَلَيْهِ) ومن مظاهر الشرك التي حذرنا الله منها إتيان الكهان والعرافين والمشعوذين وتصديقهم فيما يقولون، لهذا لا ينبغي لمسلم أن يقصدهم لأي حاجة من حوائجه، فمن قصدهم فقد عرض دينه للطعن ، وعرض عقيدته للخدش ، فقد روى مسلم في صحيحه: (عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: « مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ».