الثانية: قوله تعالى: أنزلنا عليكم لباسا يعني المطر الذي ينبت القطن والكتان ، ويقيم البهائم الذي منها الأصواف والأوبار والأشعار; فهو مجاز مثل وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج على ما يأتي. وقيل: هذا الإنزال إنزال شيء من اللباس مع آدم وحواء ، ليكون مثالا لغيره. وقال سعيد بن جبير: أنزلنا عليكم أي خلقنا لكم; كقوله: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج أي خلق. على ما يأتي. وقيل: ألهمناكم كيفية صنعته. الثالثة: قوله تعالى: وريشا قرأ أبو عبد الرحمن والحسن وعاصم من رواية المفضل الضبي ، وأبو عمرو من رواية الحسين بن علي الجعفي ( ورياشا). ولم يحكه أبو عبيد إلا عن الحسن ، ولم يفسر معناه. وهو جمع ريش. وهو ما كان من المال واللباس. وقال الفراء: ريش ورياش ، كما يقال: لبس ولباس. مؤيد المزين - يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا - YouTube. وريش الطائر ما ستره الله به. وقيل: هو الخصب ورفاهية العيش. والذي عليه أكثر أهل اللغة أن الريش ما ستر من لباس أو معيشة. وأنشد سيبويه:فريشي منكم وهواي معكموإن كانت زيارتكم لماما[ ص: 166] وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة: وهبت له دابة بريشها; أي بكسوتها وما عليها من اللباس. الرابعة: قوله تعالى وريشا ولباس التقوى ذلك خير بين أن التقوى خير لباس; كما قال:إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقىتقلب عريانا وإن كان كاسياوخير لباس المرء طاعة ربهولا خير فيمن كان لله عاصياوروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهني قال: لباس التقوى الحياء.
وهو قول عطاء. وقال الشافعي: ليست السرة ولا الركبتان من العورة على الصحيح. وحكى أبو حامد الترمذي أن للشافعي في السرة قولين. وحجة مالك قوله عليه السلام لجرهد: غط فخذك فإن الفخذ عورة. خرجه البخاري تعليقا وقال: حديث أنس أسند ، وحديث جرهد أحوط حتى يخرج من اختلافهم. وحديث جرهد هذا يدل على خلاف ما قال أبو حنيفة. وروي أن أبا هريرة قبل سرة الحسن بن علي وقال: أقبل منك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منك. فلو كانت السرة عورة ما قبلها أبو هريرة ، ولا مكنه الحسن منها. يابني ادم قد انزلنا عليكم لباسا يواري. وأما المرأة الحرة فعورة كلها إلا الوجه والكفين. على هذا أكثر أهل العلم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها. ولأن ذلك واجب كشفه في الإحرام. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها. وروي عن أحمد بن حنبل نحوه. وأما أم الولد فقال الأثرم: سمعته - يعني أحمد بن حنبل - يسأل عن أم الولد كيف تصلي ؟ فقال: تغطي رأسها وقدميها; لأنها لا تباع ، وتصلي كما تصلي الحرة. وأما الأمة فالعورة منها ما تحت ثدييها ، ولها أن تبدي رأسها ومعصميها. وقيل: حكمها حكم الرجل. وقيل: يكره لها كشف رأسها وصدرها.
أخرج مسلم وأحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبَّة من إيمان، ولا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال حبَّة من كِبْر، فقال رجل: يارسول الله! إنه يعجبني أن يكون ثوبي غسيلاً، ورأسي دهيناً، وشراك نعلي جديداً، وذكر أشياء... أَمِنَ الكِبْرِ ذاك يارسول الله؟ قال: لا، ذاك الجمال، إن الله عزَّ وجل جميل يحبُّ الجمال، ولكن الكِبْرَ من سَفَّهَ الحقَّ وازدرى الناس». ما المقصود بالباس في قوله تعالى يبني ادم قد أنزلنا عليك لباسا پوری سوء تکم وريشأ و لباس التقوى ذلك خير ذلك من عاينت الله لعلهم يذكرون - سيد الجواب. فالإسلام لا يُحرِّم شيئاً من الزينة الَّتي خلقها الله لعباده، وهو ينكر على الغُلاة والمتشدِّدين تحريمهم لما أحلَّ الله ، قال تعالى: {قل من حرَّمَ زينةَ الله الَّتي أخرج لعباده.. } فالزينة مباحة لجميع الناس، ولكن الشكر عليها واجب لله الَّذي خلقها وأنعم بها على عباده، وذلك ليقترن نعيم الدنيا برضوان الله، ولتنقلب العادات إلى عبادات وترتفع الأعمال من الأرض وتكتب مقبولة في السموات. روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استجدَّ ثوباً فلبسه فقال حين يبلغ تَرْقُوَته: الحمد لله الَّذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمَّل به في حياتي، ثم عمد إلى الثوب الخلِق فتصدَّق به كان في ذمَّة الله وفي جوار الله، وفي كَنَفِ الله، حياً وميتاً».
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الْحَيَاءُ لِأَنَّهُ يَبْعَثُ عَلَى التَّقْوَى. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ قَالَ: السَّمْتُ الْحَسَنُ. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: لِبَاسُ التَّقْوَى خَشْيَةُ اللَّهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ الْعَفَافُ، وَالْمَعْنَى: لِبَاسُ التَّقْوَى خَيْرٌ لِصَاحِبِهِ إِذَا أَخَذَ بِهِ مِمَّا خَلَقَ لَهُ مِنَ اللِّبَاسِ لِلتَّجَمُّلِ. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: لِبَاسُ التَّقْوَى هُوَ اللِّبَاسُ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ إِخْبَارًا أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ خَيْرٌ مِنَ التَّعَرِّي فِي الطواف الذي كانت تفعله الجاهلية، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: لِبَاسُ التَّقْوَى الْآلَاتُ الَّتِي يُتَّقَى بِهَا فِي الْحَرْبِ كَالدِّرْعِ وَالْمِغْفَرِ وَالسَّاعِدِ وَالسَّاقَيْنِ. وَقِيلَ: لِبَاسُ التَّقْوَى هُوَ الصُّوفُ وَالثِّيَابُ الْخَشِنَةُ الَّتِي يَلْبَسُهَا أَهْلُ الْوَرَعِ. ﴿ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾. تفسير القرآن الكريم مرحباً بالضيف