ثم قال تعالى: وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ [الأحزاب:33]. فيا نساء المؤمنين! أقمن الصلاة، وأدينها أداءً سليماً صحيحاً، أولاً: بالطهارة اللازمة، وثانياً: في وقتها المعين لها، وثالثاً: بأداء أركانها وواجباتها، وسننها وآدابها كاملة، وأخيراً: بالخشوع فيها، وسيلان الدموع. هذا إقام الصلاة. ثم قال تعالى: وَآتِينَ الزَّكَاةَ [الأحزاب:33]. فمن وجبت عليها الزكاة تعطيها وتخرجها لمن يستحقها؛ لأنها مؤمنة. ثم قال تعالى: وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33] في كل أمر، وفي كل نهي، في الواجبات والمستحبات، وفي الفرائض والنوافل، وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33] صلى الله عليه وسلم. وكل مؤمنة ككل مؤمن يجب أن يطيع الله ورسوله، ويطيع الله ورسوله في أوامره بالفعل، ونواهيه بالترك فقط. وقد بينا أنه لابد من معرفة الأوامر والنواهي، هذا لن يتم لك إلا بالعلم، وحضور حلق الذكر وسؤال العلماء، وقد قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]. والذي لا يعرف أوامر الله ما يؤديها كلها؛ لأنه ما يعرفها، والذي ما يعرف مناهي الله لا يجتنبها كلها، فلابد من العلم. وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وهو لا يحتاج إلى القلم والكتاب والقرطاس أبداً، بل يحتاج إلى السؤال فقط، كما قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].
خلاصة الخطبة الماضية: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيا عباد الله: لقد ذكرت لكم في الأسابيع الماضية ما يجب علينا نحو بناتنا قبل أزواجهن، وقلت بأنه يجب على المرأة قبل زواجها أن تعلم ما هو واجبها نحو زوجها، وما هي الغاية من الزواج، وعرفنا بأن الغاية الأساسية من الزواج هي واجب إعفاف كل من الزوجين للآخر. وعرفنا في الأسبوع الماضي بأنه يحرم على المرأة أن تخضع بالقول أمام الرجال الأجانب حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض، وأن يكون لين كلامها مع زوجها، كما يجب أن يكون لين كلام الرجل مع زوجته لا مع النساء الأجنبيات عنه. النساء مأمورات بلزوم البيت: أيها الإخوة الكرام: يجب علينا وعلى كلِّ وليِّ فتاة أن يعلِّم ابنته الواجب الذي أوجبه الشرع عليها، من هذه الواجبات وجوبُ ملازمة البيت، وألا تخرج من البيت إلا لأمر ضروري، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}. وقال تعالى: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ}. والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقال تعالى آمراً الرجال: {أَسْكِنُوهُنَّ}. والأمر بالإسكان نهي عن الخروج. يقول الإمام القرطبي عن هذه الآية: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}.
فما دام العبد يطمع بالجنة فلينظر ماذا كلَّفه المعبود الذي وعده بالجنة، كلَّف الله الرجال بالجهاد فقالوا: سمعنا وأطعنا، وكلَّف المرأة بالقرار بالبيوت فيجب عليها أن تقول: سمعت وأطعت. فإذاً الغاية من قرار النساء في البيوت هو امتثال أمر الله تعالى أولاً، ولو لم يكن من ذلك فائدة إلا طاعة المعبود لكفى. ثانياً: لتحقيق السكن الذي أراده الله تعالى: إن سُئِلت المرأة المسلمة لماذا القرار في البيت؟ لكان جوابها حتى أحقِّق السكن الذي أراده الله تعالى للزوج، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}. المرأة التي تكثر الخروج من البيت لا يمكنها أن تحقِّق السكن لزوجها كما أراده الله تعالى، لأنَّ خروجها من البيت للعمل سوف يُرهق المرأة ويُتعبها، فإذا رجعت إلى بيتها رجعت وهي تريد السكن والراحة، والرجل أمر طبيعي أن يخرج من البيت، فإذا رجع إلى البيت رجع وهو يبحث عن السكن والراحة، فمن الذي يحقق السكن والراحة للآخر؟ لذلك من العبث في الحياة أن يخرج الرجل وأن تخرج المرأة من البيت، الإسلام دين نظام متكامل، فهو أمر الرجل بالخروج للعمل والكسب، وأمر المرأة بالقرار لتهيئ الجو والسكن لزوجها إذا رجع، وإلا حلَّت الفوضى وهذا واقعنا يصدِّق هذا المبدأ.
فإذاً يجب على المرأة المؤمنة أن لا تناقش هذا الأمر على الإطلاق، وإلا فقد ضلَّت ضلالاً بعيداً والعياذ بالله تعالى، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا}. فلتكن المرأة المؤمنة على حذر من ضلال وإضلال الآخرين، وذلك من خلال أجهزة الإعلام، حيث يحرِّضون المرأة على الخروج من البيت وعدم القرار فيه، وهذا أمر طبيعي عند المرأة الغربية لأنها لا صلة لها بالسماء. أما المرأة المسلمة فعزُّها وكرامتُها وافتخارُها بامتثال أمر ربها، لأنها تطمع برحمة ربها ودخولِ جنته. بلزوم البيت تدرك عمل المجاهدين: أيها الإخوة المؤمنون: حديثنا مع المرأة المؤمنة التي عرفت الغاية من خلقها، وطمعت بجنة الله تعالى، وليس حديثنا مع غير المؤمنة لأنها لا تفكِّر بالدار الآخرة. وهذا ما فقهته المرأة المؤمنة، أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان وأبو يعلى والبزار عن أنس رضي الله عنه قال: (جئن النساء إلى رسول الله " ، قلن: يا رسول الله، ذهب الرجال بالفضل بالجهاد في سبيل الله، أفما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله؟ قال: قال رسول الله ": مهنة إحداكنَّ في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله).